دَائِمًا، لَمْ يَحْصُلِ المَقْصُودُ مِنَ البِعْثَةِ وَالرِّسَالَةِ، فَاقْتَضَتْ حِكْمَةُ اللَّهِ أَنْ جَمَعَ لَهُمْ بَيْنَ الأَمْرَيْنِ لِيَتَمَيّز مَنْ يتْبَعُهُمْ وَيُطِيعُهُمْ لِلْحَقِّ، وَمَا جَاؤُوا بِهِ مِمَّنْ يَتْبَعُهُمْ عَلَى الظُّهُورِ وَالغَلَبَةِ خَاصَّةً.
3 - وَمِنْهَا أَنَّ هَذَا مِنْ أَعْلَامِ الرُّسُلِ، كَمَا قَالَ هِرَقْل لِأَبِي سُفْيَانَ: هَلْ قَاتَلْتُمُوهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: كَيْفَ الحَرْبُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ؟ ، قَالَ: سِجَالٌ, يدَالُ عَلَيْنَا المَرَّةَ، وَنُدَالُ عَلَيْهِ الأُخْرَى. قَالَ: كَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى، ثُمَّ تَكُونُ لَهُمُ العَاقبَةُ (?).
4 - وَمِنْهَا أَنْ يتَمَيَّزَ المُؤْمِنُ الصَّادِقُ مِنَ المُنَافِقِ الكَاذِبِ، فَإِنَّ المُسْلِمِينَ لَمَّا أَظْهَرَهُمُ اللَّهُ عَلَى أَعْدَائِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ، وَطَارَ لَهُمُ الصِّيتُ (?)، دَخَلَ مَعَهُمْ في الإِسْلَامِ ظَاهِرًا مَنْ لَيْسَ مَعَهُمْ فِيهِ بَاطِنًا، فَاقْتَضَتْ حِكْمَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ سَبَّبَ لِعِبَادِهِ مِحْنَةً مَيَّزَتْ بَيْنَ المُؤْمِنِ وَالمُنَافِقِ، فَأَطْلَعَ المُنَافِقُونَ رُؤُوسَهُمْ في هَذِهِ الغَزْوَةِ، وَتَكَلَّمُوا بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَهُ، وَظَهَرَتْ مُخَبَّاتُهُمْ، وَعَادَ تَلْوِيحُهُمْ تَصْرِيحًا، وَانْقَسَمَ النَّاسُ إلى كَافِرٍ، وَمُؤْمِنٍ، وَمُنَافِقٍ، انْقِسَامًا ظَاهِرًا، وَعَرَفَ المُؤْمِنُونَ أَنَّ لَهُمْ عَدُوًّا في نَفْسِ دُورِهِمْ، وَهُمْ مَعَهُمْ لَا يُفَارِقُونَهُمْ، فَاسْتَعَدُّوا لَهُمْ، وَتَحَرَّزُوا مِنْهُمْ.