وَرَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ سَعْدِ بنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ عَوْفٍ -رضي اللَّه عنه- أُتِيَ بِطَعَامٍ، وَكَانَ صَائِمًا فَقَالَ: قُتِلَ مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ وَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي كُفِّنَ فِي برْدَةٍ إِنْ غُطِّيَ رَأْسُهُ بَدَتْ رِجْلَاهُ، وَإِنْ غُطِّيَ رِجْلَاهُ بَدَا رَأْسُهُ، . . . ثُمَّ بُسِطَ لَنَا مِنَ الدُّنْيَا مَا بُسِطَ (?)، وَقَدْ خَشِينَا أَنْ تَكُونَ حَسَنَاتُنَا عُجِّلَتْ لَنَا، ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِي حَتَّى تَرَكَ الطَّعَامَ (?).
قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ: وَفِي هَذَا الحَدِيثِ:
1 - فَضْلُ الزُّهْدِ.
2 - وَأَنَّ الفَاضِلَ فِي الدِّينِ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنَ التَّوَسُّعِ فِي الدُّنْيَا لِئَلَّا تَنْقُصَ حَسَنَاتُهُ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ -رضي اللَّه عنه- بِقَوْلِهِ: خَشِينَا أَنْ تَكُونَ حَسَنَاتُنَا قَدْ عُجِّلَتْ (?).
وَكَانَ مُصْعَبٌ -رضي اللَّه عنه- فتَى مَكَّةَ شَبَابًا وَجَمَالًا، وَكَانَتْ أُمُّهُ تَكْسُوهُ أَحْسَنَ مَا يَكُونُ مِنَ الثِّيَابِ، وَكَانَ أَعْطَرَ أَهْلِ مَكَّةَ -رضي اللَّه عنه-، ثُمَّ إِنَّهُ أَسْلَمَ وَتَرَكَ كُلَّ هَذَا النَّعِيمِ، وَاسْتُشْهِدَ، وَلَمْ يَجِدُوا لِكَفَنِهِ إِلَّا برْدَةً إِذَا غَطَّوْا رَأْسَهُ ظَهَرَتْ رِجْلَاهُ،