وَكَانَتْ تُقَاتِلُ يَوْمَئِذٍ أَشَدَّ القِتَالِ، وأَبْلَتْ بَلَاءً حَسَنًا، وَإِنَّهَا لَحَاجِزَةٌ (?) ثَوْبَهَا عَلَى وَسَطِهَا، حَتَّى جُرِحَتْ اثْنَيْ عَشَرَ جُرْحًا، وكَانَ قَدْ ضَرَبَهَا ابنُ قَمِئَةَ -قبَّحَهُ اللَّهُ- ضَرْبَةً عَلَى عَاتِقِهَا (?)، وَكَانَ أَعْظَمَ جِرَاحِهَا، فَدَاوَتْهُ سَنَةً، وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ يَقُولُ: "مَنْ يُطِيقُ مَا تُطِيقِينَ يَا أُمَّ عِمَارَةَ؟ "، فَقَالَتْ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ نُرَافِقَكَ في الجَنَّةِ. فَقَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اللَّهُمَّ اجْعَلْهُمْ رُفَقَائِي في الجَنَّةِ". فَقَالَتْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: مَا أُبَالِي مَا أَصَابَنِي مِنَ الدُّنْيَا (?).
قَالَ الدُّكْتُور مُحَمَّد أَبُو شَهْبَة رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَإِنَّ الإِنْسَانَ لَيُدْهَشُ مِنْ هَذِهِ الشَّجَاعَةِ التِي لَا نَكَادُ نَجِدُ لَهَا مِثَالًا في تَارِيخِ الدُّنْيَا، وَإِنَّ لِهَذِهِ السَّيَدَةِ البَطَلَةِ لَتَارِيخًا حَافِلًا في بَابِ الجِهَادِ في الإِسْلَامِ، . . . وَشَهِدَتْ كَذَلِكَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ، وَأَبْلَت بَلَاءً حَسَنًا في حُرُوبِ الرِّدَّةِ (?).
وَلقدْ ضَرَبَ نِسَاءُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ، أَرْوَعَ الأَمْثِلَةِ في غَزْوَةِ أُحُدٍ العَظِيمَةِ، فكُنَّ يَسْقِينَ العَطْشَى، وَيُدَاوِينَ الجَرْحَى، فَقَدْ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ في صَحِيحَيْهِمَا عَنْ أَنَسٍ -رضي اللَّه عنه- قَالَ: . . . وَلقدْ رَأَيْتُ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ،