أَمَّا المَلَائِكَةُ فَقَدْ نَزَلَتْ أَرْضَ المَعْرَكَةِ، وَشَدُّوا عَلَى المُشْرِكِينَ، وَشَارَكُوا الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي قتلِ وَأَسْرِ المُشْرِكِينَ، وَلَمْ تُبَاشِرِ المَلَائِكَةُ القِتَالَ فِي أَيِّ غَزْوَةٍ مِنْ غَزَوَاتِ الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَّا فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ، أَمَّا فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ فَقَدْ نَزَلَتْ لِحِمَايَةِ الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وَأَمَّا فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ فنَزَلَتْ لِإِرْهَابِ الكُفَّارِ.
قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لَمْ تُقَاتِلِ المَلَائِكَةُ فِي يَوْمٍ سِوَى بَدْرٍ مِنَ الأَيَّامِ، وَكَانُوا يَكُوُنونَ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الأَيَّامِ عَدَدًا وَمَدَدًا لَا يَضْرِبُونَ (?).
وَرَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ يَشْتَدُّ فِي أَثَرِ رَجُلٍ مِنَ المُشْرِكِينَ أَمَامَهُ، إِذْ سَمِعَ ضَرْبَةً بِالسَّوْطِ فَوْقَهُ، وَصَوْتُ الفَارِسِ يَقُولُ: أَقْدِمْ حَيْزُومُ، فنَظَرَ إِلَى المُشْرِكِ أَمَامَهُ فَخَرَّ مُسْتَلْقِيًا، فنَظَرَ إِلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ قَدْ خُطِمَ (?) أنْفَهُ، وَشُقَّ وَجْهُهُ كَضَرْبَةِ السَّوْطِ، فَاخْضَرَّ ذَلِكَ أَجْمَعُ -أَي اخْضَرَّ لَوْنُهُ-، فَجَاءَ الأَنْصَارِيُّ فَحَدَّثَ بِذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَقَالَ: "صَدَقْتَ، ذَلِكَ مِنْ مَدَدِ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ" (?).