. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
العطية وتفضيل عمر ولده عاصمًا على سائر ولده كما ذكره في الفتح، أما إذا قصد الوالد الإضرار أو تفضيل أحد الأبناء على غيره بقصد التفضيل من غير داعية مجوّزة لذلك فإنه لا يبيحه أحد، والظاهر من الروايات في قصة النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن الواقع فيها كان الثاني أعني التفضيل من غير سبب دون الأول وذلك أن بشيرًا رضي الله عنه إنما فعل ذلك بإلحاح من زوجته لا برأي من نفسه فلا يبعد أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم علم أن زوجته لم تقصد بذلك إلَّا تفضيل ابنها على سواه ولذلك سماه جورًا وامتنع أن يكون شاهدًا له وأمره برده فلا يستقيم الاستدلال بهذه القصة على حرمة التفضيل مطلقًا وإنما يحرم التفضيل في خصوص الأحوال التي وقعت في قصة النعمان بن بشير وهي أن تكون الهبة بقصد الإضرار أو بقصد التفضيل من غير داعية أو بأن يداوم على التفضيل دون أن يبالي بالتسوية بين أولاده في حال من الأحوال، أما إذا وقع ذلك اتفاقًا أو لداعية مجوّزة لذلك فلا.
ونظير هذه القصة ما أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار [2/ 204] عن أنس قال: كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل فجاء ابن له فقبله وأجلسه على فخذه ثم جاءت بنت له فأجلسها إلى جنبه قال: "فهلا عدلت بينهما" وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه 91/ 100، وزاد: "قاربوا بين أبنائكم ولو في القُبل" وظاهر أن الرجل إذا أجلس ابنًا له على فخذه وبنتًا له إلى جنبه فليس ذلك من المعصية في شيء إلَّا إذا أراد بذلك إضرار البنت أو قصد عدم العدل بينهما ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنكر على ذلك الرجل في فعله هذا ولا يظهر له وجه إلَّا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلم بالقرائن أو بالوحي أن الرجل إنما فعل ذلك بقصد الجور أو أنس منه كراهية للبنت فأنكر عليه بقوله: "فهلا عدلت بينهما" ولا يستنبط منه أن ذلك الفعل حرام على الآباء إلى الأبد في كل صورة وإنما يستنبط كراهية هذا الفعل بقصد الجور والإضرار فكذلك لا يستنبط في قصة النعمان حرمة التفضيل على الإطلاق وإنما يستنبط حرمته بقصد الإضرار والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من التكملة.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث النعمان رضي الله عنه فقال: