قَبْلَ أَنْ نَتَّخِذَ الْكُنُفَ قَرِيبًا مِنْ بُيُوتِنَا. وَأَمْرُنَا أَمْرُ الْعَرَب الأوُلِ فِي التَّنَزُّهِ. وَكُنَّا نَتَأَذَّى بِالْكُنُفِ أَنْ نَتَّخِذَهَا عِنْدَ بُيوتِنَا. فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ، وَهِيَ بِنْتُ أَبِي رُهْمِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ. وَأُمُّهَا ابْنَةُ صَخْرِ بْنِ عَامِرٍ، خَالَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ. وَابْنُهَا مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبَّادِ بْنِ الْمُطَّلِبِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إلى المناصع (قبل أن نتخذ) ونبني (الكنف) بضم الكاف والنون أي مواضع قضاء الحاجة جمع كنيف وهو الموضع الذي أُعدّ لقضاء حاجة الإنسان وهو في أصل اللغة الساتر لأنه يستر قاضي الحاجة عن أعين الناس حالة كون الكنف (قريبًا من بيوتنا) وأفرد الحال مع أن صاحبها جمع لأن فعيلًا يستوي فيه الجمع والمفرد أو منصوب بنزع الخافض أي قبل أن نتخذها في مكان قريب إلى بيوتنا ودورنا (وأمرنا) أي عادتنا في ذلك الوقت (أمر العرب) أي عادة العرب (الأول) بضم الهمزة وتخفيف الواو نعت للعرب جمع الأول بتشديدها وضبطه بعضهم (الأوّل) بفتح الهمزة وتشديد الواو فعلى هذا الوجه فهو مرفوع على أنه صفة للأمر (في التنزه) أي في طلب النزاهة والنظافة بالخروج إلى الصحراء فكانوا يتنزهون عن أن يكون في بيوتهم موضع تقضى فيه الحاجة والمراد أن العرب كانوا يخرجون إلى الفضاء لقضاء حوائجهم ولم يكونوا تخلقوا بأخلاق العجم باتخاذ الكنف في البيوت (وكنا نتأذى بـ) رائحة (الكنف) بـ (أن نتخذها عند بيوتنا) وجملة أن نتخذها صلة أن المصدرية أن مع صلتها في تأويل مصدر مجرور على كونه بدلًا من الكنف كما أشرنا إليه بتقدير الجار أي كنا نتأذى برائحة الكنف باتخاذها عند بيوتنا، وقوله: (فانطلقت أنا وأم مسطح) معطوف على خرجت (وهي) أي أُم مسطح أي اسمها سلمى (بنت أبي رهم) بضم الراء وسكون الهاء اسمه أُنيس مصغرًا (ابن المطلب بن عبد مناف وأمها) أي أم أم مسطح رائطة (ابنة صخر بن عامر) وقوله: (خالة أبي بكر الصديق) عطف بيان لابنة صخر فكانت أم مسطح بنت خالة أبي بكر الصديق رضي الله عنه (وابنها) أي ابن أم مسطح (مسطح) بكسر الميم وسكون السين بوزن منبر (ابن أثاثة) بضم الهمزة ومثلثتين بينهما ألف من غير تشديد (ابن عباد) بفتح العين وتشديد الباء (ابن المطلب) والمسطح بكسر الميم عود من أعواد الخباء وهو لقب له واسمه عوف وقيل عامر، وذكر الحافظ أن المعتمد هو الأول، وكان هو وأمه من المهاجرين الأولين، وكان أبوه مات وهو صغير فكفله أبو بكر لقرابة أم مسطح منه، وتُوفي مسطح سنة (34)