غاية الأمر أن تلك الجزئية بنوعها تستثنى عن هذه الكلية وكان رضي الله تعالى عنه مدة إقامته بالحجاز يعمل برواياتهم لكونها أصح عنده فلما ورد مصر أخذ برواياتهم ولم ينكر على ما كان قاله من المسائل أولاً فتفرقت أقاويله في مسألة واحدة، وهذا هو المراد بما يذكر في الفقه من قوله القديم والجديد، بل الذي ثبت أن له أقاويل ثلاثة أو أزيد في بعض المسائل إلا أن هذا قليل والأكثر أن له قولين، وأما أحمد بن حنبل فأكثر أخذه بظاهر الحديث لا غير، وقلما يسيغ في الحديث اجتهادًا وإذا تعددت الروايات في مسألة كان العمل عنده على أيها أحب ولا يكون العمل بإحدى الروايات موجبًا لترك العمل بالأحرى بل كان له العمل بهذا تارة وبذلك أخرى.
وأما إمامنا العلامة فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان مقننًا يقنن القوانين ويضع الأصول ليعمل بها وترجع الفروع إليها وهي العمدة في العمل، فأما ما ورد من الجزئيات التي خالفت بظاهرها تلك الأصول المقررة وجب عند الإمام الهمام جمعها بتلك الأصول بضرب من التأويل كزيادة قيد أو تعميم أو تخصيص أو غير ذلك من وجوه التوفيق وما لم يمكن جمعها بالأصول وجب قصرها على موردها وكان خاصًا استثنى من الأصول بشخصه لا بنوعه فتفكروا إذا تمهد هذا، فنقول: تفرقت أقوال العلماء في معنى قوله صلى الله عليه وسلم «لا تقبل صلاة بغير طهور، فقال مالك: لا تقبل الصلاة ما لم يتطهر غير أن الفريضة تسقط من الذمة وكان تاركًا للواجب ولعل هذا مبني على ما ذكرنا من أنه لم يثبت له من أصحابه المدنيين عدم الصحة في حالة التنجس (?) مع أن المنفي في هذه الرواية القبول وهو لا يستلزم الفساد كالحجة (?)