في مثل ذلك أن يستقي صاحب الجهة العليا، ويستوفى حقه الذي يتعين فيما بينهم من وصول الماء إلى مبلغ معلوم تضرر بذلك صاحب السفلى أو لا، وإذا استوفى حقه أرسل الماء إلى من دونه فيستقى منه إن بقيت في الماء فضله، وكان الأنصاري يزعم في نفسه أن الحقي في الأولية إنما هو لصاحب الأسفل، فأنه لو أعلم أن الحق لصاحب الجهة العليا لما اختصم مع الزيير وأرضاه بترك استسقاء حقه والتوائه إلى ما بعد سقاية الأنصاري أرضه، فلما كان (?) كذلك وأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- الزيير بأمر أوهم الأنصاري كونه على حق مما يعلم فقد قال للزيير: يا زيير اسق أي قليلا حتى لا يأخذ أشجارك جفاف، ثم أرسل إلى جارك الأنصاري، فإذا استقى الأنصاري فاستوف منه نصيبك الذي كان لك أن تأخذه قبل، فزعم الأنصاري في نفسه أن هذا السقي القليل الذي رخص فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- للزيير إنما هو مراعاة لابن عمته، وأن الحق للأنصاري كما بينا لك من أنه كان يزعم الحق لصاحب الأسفل، وقوى بذلك زعمه، وحاصلة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لو كان يأمر زييراً أن يستوفي حقه ثم يرسل إلى الأنصاري لم يكن له أن يتوهم ماتوهم، وكذلك لو أمره بالسقاية القليلة ثم ترك الماء إلى الأنصاري بعد أن يبين للأنصاري ما هو حق في ذلك لم يتوهم الأنصاري ما توهم، ولكنه -صلى الله عليه وسلم- أمر أخاه زييراً بالإحسان إلى جاره بحيث لا يستضر أحد منهما ففهمه الأنصاري مراعاة منه له، فقال ما قال، وكانت تلك كبيرة منه لا أنه يكون بذلك مورداً للنفاق حتى يجترأ عليه، والله أعلم بحقيقة الحال.

قوله تعالى [لا يُؤْمِنُونَ] معناه على ما قررنا (?) نفى كمال الإيمان لأنفي نفسه، فان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015