لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14] فَإِذَا كَانَ عَلَى الحَقِيقَةِ، فَهُوَ عَلَى قَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ} [آل عمران: 19] [وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ].
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عليه الثوابُ. وقيل: هو ما لا إثمَ فيه. وقيل: ما لا معصية بعده. ولا يخفى عليك أن (ثم) للتراخي رتبةً. ومن قال: إن (ثم) للترتيب في الذكر كما في قوله تعالى: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [البلد: 17] فقد غَلِط فهمًا ونقلًا. أما فَهْمًا فظاهر أن مراد الشارع بيانُ مراتب الأعمال وتراخي بعضها عن بعض. وأما نقلًا فإن الآية التي ذُكر استشهادًا. ثُمَّ فيها للتراخي رتبةً لا للترتيب ذِكرًا. قال صاحب "الكشاف" في تفسير تلك الآية: ثم لتراخي الإيمان وتباعُدِه في الرتبة والفضيلة عن العتق والصدقة.
فإن قلتَ: إذا كان الجهاد أفضلَ من الحج يلزمُ أن يكون فرضُ الكفاية أفضلَ من فرض العين. قلتُ: الجهادُ أيضًا قد يكون فرض عين على أن مختار إمام الحرمين أن فرض الكفاية أفضلُ من فرض العين؛ لأنه يسقط الإثمُ عن جميع الأمة، وأنا أقول تأييدًا له: إنه قد تقعُ السّنة أفضل من الفرض، كمسألة السلام؛ فإن ابتداءَ السلام سنةٌ، وهو أفضلُ من ردّ السلام مع أنه فرضٌ.
فإن قلتُ: لِمَ عرَّف الجهاد ونكّر الحج؟ قلتُ: تَفَنُّنٌ في العبارة، وإشارةٌ إلى علو شأن الجهاد؛ فإن المعرف بلام الجنس والنكرةَ وإن كان مؤداهما واحدًا إلا أنّ في المعرفة يعتبر الحضور الذهني.
فإن قلتَ: فيلزم تفضيله على الإيمان فإنه منكَرٌ. قلتُ: التنوين فيه للتعظيم على أن الوهم لا يذهب إلى ذلك، فإنه أساس الأعمال، والذي لا يُعتدّ بعمل دونه. ومن قال: التنوين في "حج مبرور" للإفراد شخصًا. فقد زلّتْ به القدمُ؛ وذلك أن الشارع ليس بصدد بيان أفراد الحقائق، بل بصدد بيانها، والتفاضل فيما بينهما.