وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الإِسْلاَمِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فإن قلتَ: ما حكم تاركهما؟ قلتُ: المنكر لوجوبهما كافرٌ، والتارك كسلًا يُقتَلُ حدًّا عند الشافعي، كالزاني المحصَن. وعن الإمام أحمد روايةٌ أنه يكفرُ لما رواه والترمذي وابن ماجه والنسائي عن بُرَيدة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "العهدُ بيننا وبين الكفارِ الصلاةُ، فمن تركها فقد كفر". وحَمَله الجمهور على التغليظ.
فإن قلتَ: الحديث دلَّ على أن لا يُترَكَ الكافرُ على دينه بوجهٍ؟ وكذا الآية في الترجمة، فكيف أُخذتِ الجزيةُ من أهل الكتاب؟ قلتُ: إما أن يُحمل اللام في الناس على العهد وهم المشركون عبدةُ الأوثان، كما هو مقتضى الآية، فإنها فيهم نزلت. دلَّ عِليه السياقُ. وإمّا أنه عام خصّ منه البعض بقوله: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29].
"إلا بحق الإسلام" كما إذا قتل ظلمًا، أو أتلف مالًا (وحسابُهم على الله).
فإن قلتَ: على: تدل [على] اللزوم والله تعالى [منزه] عن أن يجب عليه شيءٌ؟ قلتُ: ذلك اللزومُ مقتضى وعدِهِ الذي لا بُدّ من وقوعه.
فإن قلتَ: إذا كان هذا موجودًا في الحديث، فكيف اعترض عُمر على أبي بكر لمّا أراد قتال مانع الزكاة؟ أو كيف لم يردّ أبو بكر على عمر بهذا النص حتى قاس الزكاة على الصلاة؟ قلتُ: محمولٌ على أنهما لم يبلغهما هذه الزيادة.
فإن قلتَ: الذين منعوا الزكاة إما كانوا بُغاةَ أو أهلَ ردةِ، ولا يجوزُ سبيُ ذراريهم إجماعًا؟ قلتُ: قال النووي: هذا الإجماع انعقد بعد ذلك.
ومن فوائد الحديث أن الحُكمَ إنما يكون بحسب الظاهر، والله يتولّى السرائر.
ومنها: جواز مناظرة المفضول للفاضل إذا لم يَظْهر له وجهُ الصواب. ومنها: أن الإقرار شرطٌ في الإيمان إذا طُولب به الإنسان.
ومنها: وجوب قتال مانعي الزكاة إذا لم يقدر الإمام على الأخذ قهرًا. وهذا هو الفارق للشافعي في قتل تارك الصلاة دون مانع الزكاة. قيل: استدلالُهُ بهذا الحديث لا يتمّ؛ لأن المقاتلةَ لا تستلزم القتلَ، وهذا ليس بشيءٍ للاتفاق على أن مانع الزكاة لو لم يقدر على الأخذ