فَاضْطَجَعُوا وَأَسْنَدَ بِلاَلٌ ظَهْرَهُ إِلَى رَاحِلَتِهِ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَنَامَ، فَاسْتَيْقَظَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَقَالَ «يَا بِلاَلُ أَيْنَ مَا قُلْتَ». قَالَ مَا أُلْقِيَتْ عَلَىَّ نَوْمَةٌ مِثْلُهَا قَطُّ. قَالَ «إِنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَكُمْ حِينَ شَاءَ، وَرَدَّهَا عَلَيْكُمْ حِينَ شَاءَ، يَا بِلاَلُ قُمْ فَأَذِّنْ بِالنَّاسِ بِالصَّلاَةِ». فَتَوَضَّأَ فَلَمَّا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ وَابْيَاضَّتْ قَامَ فَصَلَّى. طرفه 7471
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المقدم (فقال: أين ما قلت يا بلال) فإنه ضمن أن يوقظهم في وقت الصلاة (قال: ما ألقيت عليَّ نومة مثلها) اعتذار حسن، لأنّ النوم أمر غير اختياري، وليس لأحد قدرةٌ على دفعه.
(قال: إن الله قبض أرواحكم حين شاء) فإن النوم أخو الموت قال الله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} [الزمر: 42] (يا بلال قم فأذن بالناس) أذن: بالتشديد. استدل بظاهره أحمد؛ فقال بالأذان في الفائتة؛ وهو قول قديم للشافعي، وقوله الجديد: أنْ لا أذان؛ استدلا بما سيأتي: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلّى الخمس يوم الخندق بأذان واحد. (للمغرب) فإنها صاحبة الوقت، ولم يؤذن بغيرها، فالتأذين هنا معناه الإعلام، أو الإقامة، ويؤيده الرواية: آذن بالمد مخففًا. (فلما ارتفعت الشمس وابياضت قام فصلى) قال فقهاء الكوفة: إنما آخّر الصلاة إلى ارتفاع الشمس، لأنّ قبله وقت الكراهة. وأجاب الشافعي: بأن التأخير لم يكن لذلك، بل لأنه ارتحل من ذلك المكان؛ لأنه كره الإقامة في موضع فاتته الصلاةُ فيه؛ وسيأتي أنه قال: "هذا وادٍ حضر فيه الشيطان.
فإن قلت: كيف نام عن الصّلاة؛ وقد قال: "تنام عيني ولا ينام قلبي"؟ قلت: أجاب النووي: بأنه يدرك بالقلب ما شأنه أنّ يُدرك بالقلب؛ وطلوع الفجر ليس مما يدرك بالقلب؛ بل إنما يدرك بالباصرة، وتحقيق هذا أنّ الحواس الظاهرة كلها باطلة في حالة النوم؛ كالذوق والشَّمِّ والسماع وانما خصّ العين في قوله: "تنام عيناي"؛ لأنّ أثر النوم يظهر في العين دون سائر الحواس، فلا فرق بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيره في عدم الإدراك بالحواس، وانّ الذي اختص به دون غيره هو إدراك القلب، ولذلك كان رؤياه وحيًا.
باب من صلَّى بالناس جماعة بعد ذهاب الوقت