ثُمَّ دَعَاهُمْ وَدَعَا بِتَرْجُمَانِهِ، فَقَالَ: أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا بِهَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ؟ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَقُلْتُ أَنَا أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا، فَقَالَ: أَدْنُوهُ مِنِّي، وَقَرِّبُوا أَصْحَابَهُ فَاجْعَلُوهُمْ عِنْدَ ظَهْرِهِ، ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُمْ إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ، فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ. فَوَاللَّهِ لَوْلاَ الحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا عَلَيَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ. ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَنْ قَالَ: كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ؟ قُلْتُ: هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ، قَالَ: فَهَلْ قَالَ هَذَا القَوْلَ مِنْكُمْ أَحَدٌ قَطُّ قَبْلَهُ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ؟ قُلْتُ: لاَ قَالَ: فَأَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ فَقُلْتُ بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ. قَالَ: أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟ قُلْتُ: بَلْ يَزِيدُونَ. قَالَ: فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: فَهَلْ يَغْدِرُ؟ قُلْتُ: لاَ، وَنَحْنُ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ لاَ نَدْرِي مَا هُوَ فَاعِلٌ فِيهَا، قَالَ: وَلَمْ تُمْكِنِّي كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا

ـــــــــــــــــــــــــــــ

روم بن عيص بن إسحاق (دعا بتُرجمانه) - بضم التاء وفتحه، والثاني أفصح - وهو الذي يفسر لسانًا بآخر، من الرجم، لأنه إلقاء المعنى في لفظ آخر، والباء زائدة، وقيل: لفظ عَجَمي، وقيل: الباء أصلية (فاجعلوه عند ظهره) لأنه إذا كان مواجهًا يُسْتَحى من تكذيبه (فإن كَذَبَني فكَذِّبوه) - الأول مخفف، والثاني مثقل - أي: انسبوه إلى الكذب (لولا الحياء من أن يؤثروا علي الكذب) أي: يقولوه علي، من أثرت الحديثَ نقلته (وكان أولُ ما سألني) بالرفع اسم كان، وخبره: أن قال، ويجوزُ العكس (قطُّ) ظرف الزمان الماضي على وجه الاستغراق، وفيه ستُ لغاتٍ أفصحُها: فتح القاف وضم الطاء مشددًا، ومجيئه في الإثبات قليلٌ (هل كان من آبائه من مَلِكٍ) بمِن الجارة وكسر اللام، ورُوي بفتح الميم على أنها مِن الموصوفةُ، وملك: فعل ماض صفته، وفي رواية مسلم: "مَلِكٌ" بدون مِن، فتعَيّن اْن يكون اسمًا (هل يرتدُّ أحدٌ سُخْطةً لدينه) فعلَةٌ من السخط وهو عدم الرضا، ويُروى: سُخْطًا - بضم السين -.

فإن قلتَ: قد ارتدّ في زمانه أناسٌ كالعرنيين، وكاتب الوحي؟ قلتُ: لم يرتدوا سُخْطة للدين، بل لأمور أخرى.

(يَغْدِر) - بكسر الدال - من الغدر وهو عدم الوفاء بالعهد (لم تمكني كلمة) بالتاء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015