وَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - «كُلُوا وَاشْرَبُوا وَالْبَسُوا وَتَصَدَّقُوا، فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلاَ مَخِيلَةٍ». وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ كُلْ مَا شِئْتَ وَالْبَسْ مَا شِئْتَ، مَا أَخْطَأَتْكَ اثْنَتَانِ سَرَفٌ أَوْ مَخِيلَةٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كِتَابُ اللِّبَاس
باب قوله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ} [الأعراف: 32]
استدلاله بالآية ظاهر في إباحة كل ملبوس إلا ما أخرجه سائر النصوص (كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا من غير إسراف ولا مخيلة) بفتح الميم مصدر خال إذا تكسر كالخيلاء.
فإن قلت: لا إسراف في التصدق ذكره العلماء، فكيف فيه التصدق به؟ قلت: ليس قيدًا للصدقة، بل للأمور المذكورة قبله أو يحمل الإسراف فيه على ما إذا كان له أهل محتاجون، أو ذو قرابة، وأما المخيلة فيمكن وجودها في التصدق؛ لأن كثيرًا من الناس يفعله رياءً (وقال ابن عباس: كُلْ والبس، ما أخطأتك خصلتان) ما مصدرية بمعنى الدوام، أي: ما دام يجاوز الخصلتين عنك لا ضرر عليك في أي وجه كان.
وقال بعض الشارحين: معناه لم تجاوز عنك خصلتان ثم قال: أو ما نافية أي: لم يوقعك في الإثم إلا ثنتان، وكلاهما فاسد أما الأول؛ فلأن غرض الشارع أن تجاوز الخصلتين عنه كاف في باب التقوى، وقد فسره هذا القائل بعكسه، وأيضًا لا دلالة للفظ على النفي، فإنه جعل ما نافية في الوجه الثاني المقابل له، فمن أين ذلك النفي؟! وأما الثاني: فإنه يلزم أن يكون تقديره: كل والبس لم توقعك في الإثم الخصلتان، وفساده لائح، ولا معنى له في نفسه أيضًا.
فإن قلت: كان الظاهر الواو بسرف ومخيلة؟ قلت: قيل: أو بمعنى الواو، ولا حاجة إليه فإن الإخطاء فيه معنى النفي، ونفي واحد لا بعينه يفيد العموم كقوله تعالى: {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: 24].