كُنْتُ أَغْسِلُ الْجَنَابَةَ مِنْ ثَوْبِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَيَخْرُجُ إِلَى الصَّلاَةِ، وَإِنَّ بُقَعَ الْمَاءِ فِي ثَوْبِهِ. أطرافه 230، 231، 232
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(كنتُ أغسل الجنابة) أي: ما يوجب الجنابة وهو المني لا غير (فيخرجُ إلى الصلاة وإن [بقع] الماء في ثويه) جمع بقعة وهي القطعةُ الممتازة من الشيء. والمراد علامة الغسل في مواضع من ثويه. استدل بالحديث من قال بنجاسة المني؛ لأن سؤال السائل كان عن حكم المني من كونه طاهرًا أو نجسًا. فالجوابُ بالغسل ظاهر في نجاسته. واستدل على طهارته من قال بطهارته بما رواه مسلم عن عائشة: لقد كنتُ أفركه من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولو كان نجسًا لم ينفع الفركُ، بل لزم غسله. والقولُ بوجوب الغسل رطبًا والفرك يابسًا يشكلُ بالدم وسائر النجاسات. والظاهرُ أنها كانت تغسله إذا كان رطبًا لئلا يتلوث به سائر المواضع. وأيضًا هو أصل وجود الأنبياء والرسل، فلا يليقُ أن يكون غير طاهر. وما يقال من: أنه كما هو أصل الأنبياء، فكذلك هو أصل الكفار مما لا يُلتفت إليه، إذ كم شرف ناله من كان خسيسًا بواسطة الأشراف.
وفي الجملة: المسألة اجتهادية. قال بنجاسته مالكٌ وأبو حنيفة رحمه الله، وبطهارته أحمدُ والشافعي.
فإن قلتَ: ذكر في الترجمة الفرك وما يصيب من المرأة ولم يرو لهما حديثًا؟ قلت: الفرك ربما لم يقع له به رواية وقد روينا آنفًا عن مسلم وأما ما يصيب من المرأة فحديث الباب دل عليه؛ لأن المني الذي أصاب ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يجوزُ أن يكون من الاحتلام، وإذا كان من الوِقاع لا بد وأن يكون معه شيءٌ من رطوبة المرأة.
فإن قلت: ربما يكون نازلًا من التلاعب؟ قلت: لفظ: كان، في قولها: كنتُ، يدل على الاستمرار.
فإن قلت: فما حكمُ مني سائر الحيوانات؟ قلتُ: من قال بطهارته من الإنسان قال بطهارته من غيره، سواء كان مأكول اللحم أو لا سوى الكلب والخنزير وما يتولد من أحدهما ومن غيره. قاله النووي.