. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ـــــــــــــــــــــــــــــ

المخاطب عالمًا بمضمون الجملة غير منكر بخلاف "ما" و"إلا" فإنهما يُستعملان في موضع الإنكار، وقولهم: "إنما" بمعنى "ما" و"إلا" إنما يريدون بذلك: مطلق النفي والإثبات، لا أنهما مترادفان.

فإن قلتَ: إذا كان المخاطب عالمًا غيرَ منكر فلا يخاطب بالكلام، فضلًا عن طريق القصر؟ قلتُ: ما ذكرناه كلامُ الشيخ الإمام في "دلائل الإعجاز" وفيه تسامحٌ، فإنه أراد به مخاطبًا لا يقر على خطئه حتى إن إنكاره يزول بأدنى إشارةٍ كما صرَّح به في "المفتاح".

فإن قلتَ: ما وجهُ دلالة "إنما" على النفي والإثبات؟ قلت: ذكر بعضُ الأصوليين أنّ إنَّ للإثبات، وما للنفي، ولا يتوجهان إلى شيء واحد؛ فإن لإثبات المذكور، وما لنفي غير المذكور. وهذا هو القصر. وهذا باطلٌ؛ وذلك أن إن لا تدخل إلّا على الاسم، وما لا تنفي إلا ما دخلتْ عليه بإجماع أهل العربية. فالحق أنه حرفٌ مستقل متضمن لمعنى النفي والإثبات.

فإن قلت: اللام في الأعمال للاستغراق فأي حاجة إلى إنما لإفادة الحصر؟ قلت: إنما ههنا لتأكيد معنى الحصر. فإن قلت: ما المراد بالأعمال، وما معنى كونها بالنية؛ إذ كم عملٍ يوجد بدون النية؟ وما حقيقةُ النية؛ والمرادُ بها في هذا المقام؟

قلت: أما الأعمالُ فهي الأعمالُ التي يُتَقَرَّبُ بها إلى الله تعالى، سواء كانت باللسان أو بالجَنَان، أو بالأركان. فلا يُوجد فعلٌ من الأفعال التي يُراد به الثوابُ إلا مقرونًا بالنية، فالباء للإلصاق.

فإن قلتَ: فالنية أيضًا عملٌ من أعمال القلب، فتحتاجُ إلى نية أخرى وهلم جرا؟ قلت: النية لا تحتاج إلى نية كالضوء، فإنه مضيءٌ لغيره، ولا يحتاج إلى ضوء آخر، وهذا ظاهر إذا رجعتَ إلى وجدانك.

فإن قلت: ما معنى النية؟ قلت: هي عزيمة القلب. قاله الجوهري، وهنا المراد العزيمة المقرونة بالتقرب، فهي عزيمة خاصة.

فإن قلتَ: الموقوف على النية صحة الأعمال أو ثوابها؟ قلتُ: اختلف الإمامان في ذلك؛ فقال أبو حنيفة: تقدير الكلام: لا ثوابَ لعملٍ بدون النية، وقال الشافعي: تقدير الكلام: لا صحة لعمل بدون النية؛ وذلك لأن غرضَ الشارع بيان ما يصحّ من العبادات وأما الثوابُ فهو فضلٌ من الله تعالى، وقال بعضُ المحققين: يمكن الجمع بين القولين؛

طور بواسطة نورين ميديا © 2015