واعلم أنها أجرامٌ تَسْبَحُ في الجو بأنفسها، لا أنها مَرْكُوزَةٌ في السموات تَدُورُ بدورها. والقرآنُ لا يهتمُّ بأمرها، ولا يَذْكُرُهَا إلَّا بالنور والاهتداء. أمَّا النُّحُوسَةُ والبركةُ، فإنها أهونُ على الله من ذلك. كيف! وأنها مسخَّرةٌ تَصْعَدُ وتَغْرَب، تَغِيبُ وتُشْرِقُ، وتَدُورُ في كلّ ساعةٍ كالخدَّام، فهي أصغرُ من أن تكونَ فيها النُّحُوسَةُ والبركةُ. نعم يُعْلمُ من القرآن أن في السموات دفاتر، وفيها تدابير أيضاً، وإليه أشار البخاريُّ من قوله: فمن تأوَّل فيها بغير ذلك أخطأ.

4 - باب صِفَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ

(بِحُسْبَانٍ) قَالَ مُجَاهِدٌ كَحُسْبَانِ الرَّحَى، وَقَالَ غَيْرُهُ بِحِسَابٍ وَمَنَازِلَ لاَ يَعْدُوَانِهَا. حُسْبَانٌ جَمَاعَةُ حِسَابٍ مِثْلُ شِهَابٍ وَشُهْبَانٍ. (ضُحَاهَا) ضَوْؤُهَا. (أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ) لاَ يَسْتُرُ ضَوْءُ أَحَدِهِمَا ضَوْءَ الآخَرِ، وَلاَ يَنْبَغِى لَهُمَا ذَلِكَ. (سَابِقُ النَّهَارِ) يَتَطَالَبَانِ حَثِيثَانِ. نَسْلَخُ نُخْرِجُ أَحَدَهُمَا مِنَ الآخَرِ، وَنُجْرِى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَاهِيَةٌ وَهْيُهَا تَشَقُّقُهَا. أَرْجَائِهَا مَا لَمْ يَنْشَقَّ مِنْهَا فَهْىَ عَلَى حَافَتَيْهِ، كَقَوْلِكَ عَلَى أَرْجَاءِ الْبِئْرِ (أَغْطَشَ) وَ (جَنَّ) أَظْلَمَ وَقَالَ الْحَسَنُ (كُوِّرَتْ) تُكَوَّرُ حَتَّى يَذْهَبَ ضَوْؤُهَا، (وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ) جَمَعَ مِنْ دَابَّةٍ (اتَّسَقَ) اسْتَوَى. (بُرُوجًا)

ـــــــــــــــــــــــــــــ

بطلان ما تقول الفلاسفة من كونها مركوزة في الفلك لا يمكن الانفصال.

باب صفة الشمس والقمر

({بِحُسْبَانٍ} قال مجاهد: كحسبان الرحى) الحسبان بالضم مصدر حسَب يحسُب بفتح السين في الماضي والضم في المضارع، ومعنى قول مجاهد أن حركة الشمس والقمر دورية كالرحى، وعند غيره جمع حساب، كما مثل به من جمع شهبان في شهاب (يتطالبان حثيثين) أي: سريعين لا يلحق أحدهما الآخر (نخرج أحدهما من الآخر) أي: النهار من الليل لقوله تعالى: {فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ} [يس: 37] ({أَرْجَائِهَا}) جمع رجا بالقصر، أي: أطرافها (فهو على حافتيه) أي: الملك، والمراد به الجنس (تكور حتى يذهب ضوءها) قيل: تلف لفّ العمامة، وقيل: تلقى في النّار، من قولك: تورته ألقيته، زيادة في عذاب من كان يعبدها ({اتَّسَقَ} [الانشقاق: 18] استوى) أي: كمل نوره.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015