وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ، وَأَدْخِلْ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ وَرَبَّ الْغُنَيْمَةِ، وَإِيَّاىَ وَنَعَمَ ابْنِ عَوْفٍ، وَنَعَمَ ابْنِ عَفَّانَ، فَإِنَّهُمَا إِنْ تَهْلِكْ مَاشِيَتُهُمَا يَرْجِعَا إِلَى نَخْلٍ وَزَرْعٍ، وَإِنَّ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ وَرَبَّ الْغُنَيْمَةِ إِنْ تَهْلِكْ مَاشِيَتُهُمَا يَأْتِنِى بِبَنِيهِ فَيَقُولُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. أَفَتَارِكُهُمْ أَنَا لاَ أَبَا لَكَ فَالْمَاءُ وَالْكَلأُ أَيْسَرُ عَلَىَّ مِنَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَايْمُ اللَّهِ، إِنَّهُمْ لَيَرَوْنَ أَنِّى قَدْ ظَلَمْتُهُمْ، إِنَّهَا لَبِلاَدُهُمْ فَقَاتَلُوا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَسْلَمُوا عَلَيْهَا فِي الإِسْلاَمِ، وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوْلاَ الْمَالُ الَّذِى أَحْمِلُ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا حَمَيْتُ عَلَيْهِمْ مِنْ بِلاَدِهِمْ شِبْرًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(واتق دعوة المظلوم فإن دعوة المظلوم مستجابة).
فإن قلت: كم مظلوم يقتل ظلمًا وقاتله سالم، مع أنه يدعو عليه بأنواع من الدّعاء؟ قلت: سيأتي الكلام في أبواب الأدعية أنه إما يُستجاب له في الحال، أو يُدَّخر ما هو خير له في الآخرة، فهذا الإطلاق مقيد بذلك القيد.
(وأَدْخِل ربَّ الصُّريمة) -بضم الصاد مصغر- قال ابن الأثير: هي من عشرين إلى أربعين من الصرم، وهو القطع؛ لأنها إذا بلغت هذا القدد يقطعها صاحبها عن إبله (وإيَّاي ونعم ابن عوف ونعم ابن عفان) أصله إياك، فإنه مخاطب غلامه ويأمره وينهاه، وإنما عدل إلى تحذير نفسه فإنه أبلغ في المنع، وقيع: عطف على اتق سابقًا، أي: واتقِّ إيَّايَ، وليس بملائم للمقام، كذا قالوا.
وقد روى الدارقطني مما يدل على أنهم أهل المدينة ومن هو لهم، وهو الظاهر من قوله: (إنها بلادهم قاتلوا عليها)، (وايم الله إنهم يرون أني ظلمتهم) -بضم الياء- أي: يظنون، والضمير للأغنياء، بقرينة أنه ذكر ابن عوف وابن عفان، ومن كان حاله حالهما في الغنى (إنها بلادهم قاتلوا عليها في الجاهلية، وأسلموا عليها في الإسلام) هذا موضع الدلالة فإنه دل على أنهم بالإسلام أحرزوا الأراضي، ولولا أن مصالح المسلمين تقتضي ذلك ما حمى الأرض عليهم، و (لولا المال) أراد بالمال: الإبل والخيل.