قَالَ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا؟ - قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: وَهَذَا أَوْكَدُ - فَانْطَلَقَا، حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا، فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا، فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ، قَالَ الخَضِرُ: بِيَدِهِ فَأَقَامَهُ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا، قَالَ: هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ " قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى، لَوَدِدْنَا لَوْ صَبَرَ حَتَّى يُقَصَّ عَلَيْنَا مِنْ أَمْرِهِمَا».
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فإن قلت: سيأتي أنه أضجعه وذبحه بالسكين؟ قلتُ: لا منافاة ذَبَحَهُ، فلما بَلَغ آخر الذبح اقتلعه عند العلامة.
({قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (75)} [الكهف: 75] قال ابن عُيينة) هو سفيان (وهذا أوكدُ) لأنه زاد فيه: لك. بخلاف الأول، فإنه اقتصر على: "إنك" ويجوزُ أن يكون هذا إشارةً إلى كلام موسى والخضر معًا؛ لأن موسى صَرَّح بالنكر هنا بخلاف الأول، فإنه لم يصرح بالنكر فيه.
({فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} [الكهف: 77]). أي: مائلًا إلى السقوط، عَبّر عنه بالإرادة لوجود الميل فيهما (قال الخضر بيده فأقامه) أي: أشار إليه من غير مَسّ، واستعمال: قال، في الإشارة مجازٌ، لاشتمال كل منهما على الدلالة.
({قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} [الكهف: 78]) البَيْنُ من الأضداد، يطلق على الوصل والفصل والمراد الأولُ، أي: هذا أوَان قطع الوصل لأنك قلت: {قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا} [الكهف: 76] (قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: يرحم اللهُ موسى لوددنا لو صَبَرَ) لو للتمني حيث دخلت على الوداد.
فإن قلت: هل في الحديث دلالةٌ على عدم [وجود] الخضر في الدنيا حيًّا؟ قلتُ: لا دلالة في الآية والحديث لا على الوجود ولا على العدم. وأما قوله: "لوددنا لو صَبَرَ". إنما هو لتمني ما كان يجري بينهما من ظهور الحكم والغريب.
واعلم أنما جرى بين موسى والخضر ليس من حيث إن موسى كان محتاجًا في تكميل الشريعة الذي بعث بها إلى الخضر، بل كان ذلك من الاطلاع على حكم الله، فإن الخضر كان مخصوصًا به. وأما موسى فهو من أولي العزم من الرسل. والخضر في نبوته خلافٌ،