بْنِ عَمْرٍو، عَنْ جَرِيرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ: «اسْتَنْصِتِ النَّاسَ» فَقَالَ: «لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ» [الحديث 121 - أطرافه في: 4405، 6869، 7080].
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عبد الله، وقيل: عبد الرحمن، وقيل: [عمرو] (جرير) هو ابن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي راوي الحديث، قال ابنُ عبد البر: قال جرير: أسلمتُ قبل موت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأربعين يومًا، وقال الذهبي: أسلم في رمضان سنة عشر، وهذا هو الصواب. يدل عليه حديثُ الباب، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انتقل إلى الله في ربيع الأول بعد حجة الوداع.
(أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له في حجة الوداع) بفتح الحاء وكسرها قال الجوهري: والكسر شاذ، لأنه يكون للنوع (استنصِتِ النَّاس) أي: اطلُبْ منهم الإنصات. قال ابن الأثير: يقال: أنصَتَ ونَصَتَ بمعنًى. فسقط ما يقال: إن الاستفعال من الإنصات قليل؛ لأن الاستفعال من الثلاثي لا من المزيد كما توهمه (فقال) أي: بعد فراغه من الخطبة كما سيأتي الحديث بطوله (2).
(لا ترجعوا بعدي كفارًا يضربُ بعضُكم رقابَ بعض) رَجَع من الرجوع، أي: إلى ما كنتم عليه قبل الإسلام من الكفر، أو إلى أوطانكم، فإنه كان بمكة في حجة الوداع. قال النووي: قيل في معناه ستةُ أقوال: الكفر الَّذي هو ضدّ الإيمان، إن فعلوا محرمًا مستحلين له، أو المراد كفر النعمة أي: نعمة الإسلام، أو ما يقرب من الكفر من المعاصي، أو دُوموا مسلمين، أو لا يُكَفّر بعضُكم بعضًا، أو من تكفر الرجل بالسلاح إذا لبسه. قلتُ: الظاهر من هذه الأوجهِ العودُ إلى الكفر بعده، كما ارتدتْ أكثرُ الأعراب والقبائل، ولفظ: "بعدي" مؤيد له. والراوية في: "يضربُ" الرفع، وجَوَّز الكسائي جَزْمَهُ كما في قوله: لا تكفر تدخل النار، لظهور المعنى. حكاه أبو البقاء وابنُ مالك.
وفي الحديث دلالة ظاهرة على شرف العلم، وأن العالم إذا كان بصدد نشر العلم يجبُ على الناس الإنصاتُ له.