رَسُولُ اللَّهِ، وَلَسْتُ أَعْصِيهِ وَهْوَ نَاصِرِى». قُلْتُ أَوَلَيْسَ كُنْتَ تُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِى الْبَيْتَ فَنَطُوفُ بِهِ قَالَ «بَلَى، فَأَخْبَرْتُكَ أَنَّا نَأْتِيهِ الْعَامَ». قَالَ قُلْتُ لاَ. قَالَ «فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَّوِّفٌ بِهِ». قَالَ فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ يَا أَبَا بَكْرٍ، أَلَيْسَ هَذَا نَبِىَّ اللَّهِ حَقًّا قَالَ بَلَى. قُلْتُ أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ قَالَ بَلَى. قُلْتُ فَلِمَ نُعْطِى الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا قَالَ أَيُّهَا الرَّجُلُ، إِنَّهُ لَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلَيْسَ يَعْصِى رَبَّهُ وَهْوَ نَاصِرُهُ، فَاسْتَمْسِكْ بِغَرْزِهِ، فَوَاللَّهِ إِنَّهُ عَلَى الْحَقِّ. قُلْتُ أَلَيْسَ كَانَ يُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِى الْبَيْتَ وَنَطُوفُ بِهِ قَالَ بَلَى، أَفَأَخْبَرَكَ أَنَّكَ تَأْتِيهِ الْعَامَ قُلْتُ لاَ. قَالَ فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَّوِّفٌ بِهِ. قَالَ الزُّهْرِىِّ قَالَ عُمَرُ فَعَمِلْتُ لِذَلِكَ أَعْمَالاً. قَالَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قَضِيَّةِ الْكِتَابِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لأَصْحَابِهِ «قُومُوا فَانْحَرُوا، ثُمَّ احْلِقُوا». قَالَ فَوَاللَّهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَذَكَرَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولست أعصيه) نبه بذلك عمر على أن ما فعله إنما هو بالوحي لا بالاجتهاد (فاستمسك بغرزه) -بغين معجمة، ثم راء مهملة، آخره زاي معجمة- هو لكور الجمل مثل الركاب للفرس. قال ابن الأثير: يكون من الخشب، أو من الجلد، وقيل: مطلقًا. وهذا كناية عن اتباعه من غير مخالفة؛ كمن يكون مستمسكًا بركاب راكب يدور معه كيف دار، ومن تأمل في كلام الصديق مع عمر، ظهر له الفرق بينهما (قال عمر: فَعَلت لذلك أعمالًا) يشير إلى أنه ذهب إلى أناس آخرين، وتكلم بأشياء، وذلك كله غيرة منه على الإسلام؛ فإنها كانت قضية بعيدة عن الأفهام، علمها الله، ولم يعلموا، وذلك أن الناس بعد هذا الصلح معهم وقع الاختلاط واجتمع المسلمون والكفار، وشاهدوا محاسن الإسلام، وسمعوا مواعظ القرآن، ونصح الأخ أخاه، ودعا الصديق الصديق، ففشى الإسلام، وعلت كلمة الله، وكان ذلك في الكتاب مسطورًا، وقيل: معنى قوله: عملت لذلك أعمالًا، أنه كفّر، وتقرب إلى الله بأشياء كفارة عن جرأته في ذلك الكلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فإنه روي عنه أنه قال: أعتقت ستة مملوكين.
(فلما فرغ من قضية الكتاب قال لأصحابه: قوموا فانحروا ثم احلقوا، فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات).
فإن قلت: كيف لم يتبادروا إلى ما أمر وهم الصديقون الذين شأنهم أن يبادروا إلى كل ما أمر به؟ قلت: كانوا يرجون أن يحدث الله في ذلك أمرًا آخر، ولذلك لما نحر وحلق علموا أن ذلك أمر مقضي بادروا إلى ما أمر.