فَانْطَلَقَ الْمُسْلِمُونَ يَمْشُونَ مَعَهُ، وَهْىَ أَرْضٌ سَبِخَةٌ، فَلَمَّا أَتَاهُ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ إِلَيْكَ عَنِّى، وَاللَّهِ لَقَدْ آذَانِى نَتْنُ حِمَارِكَ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ مِنْهُمْ وَاللَّهِ لَحِمَارُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَطْيَبُ رِيحًا مِنْكَ. فَغَضِبَ لِعَبْدِ اللَّهِ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ فَشَتَمَا، فَغَضِبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْحَابُهُ، فَكَانَ بَيْنَهُمَا ضَرْبٌ بِالْجَرِيدِ وَالأَيْدِى وَالنِّعَالِ، فَبَلَغَنَا أَنَّهَا أُنْزِلَتْ (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا).
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(وهي أرض سبخة) -بكسر الباء الموحدة وفتح الخاء المعجمة- الأرض التي تعلوها الملوحة لا تنبت شيئًا، وغرضه من ذكرها أنّ الحمار غبر عليهم؛ كما جاء في الرواية الأخرى. فقال رجل من الأنصار (والله لحمار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أطيب منك ريحًا) هذا حماره المسمى: يعفور، والرجل الذي قال هذا الكلام عبد الله بن رواحة (فغضب لعبد الله) ابن أبي (رجل من قومه) أي: من الخزرج، صرح به في تفسير سورة آل عمران، وليس كذلك؛ بل هو خزرجي أيضًا؛ إلا أنه كان مؤمنًا حقًّا (فكان بينهما) أي: بين الطائفتين (ضرب بالجريد) -بالجيم- غصن النخل الذي جرد عن خوصه، ورواه بعضهم بالحاء والدال المهملتين (والأيدي والنعال، فبلغنا أنها) الضمير للشأن، أو للآية المذكورة (نزلت: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9]) قال ابن بطّال: هذا لا يمكن؛ لأنّ ابن أبي لم يكن أظهر الإيمان بعد، وأصحابه كانوا كفارًا. واستحسن كلامه بعض الشارحين، وليس بشيء؛ لأنه سيأتي أن المجلس كان فيه أخلاط من المسلمين، فلا يلزم أن يكون بين الكفار بل بعض المسلمين حمية لعبد الله؛ فإنه وإن كان كافرًا إلا أنهم كانوا يحامون عن العشيرة ألا ترى ما تقدم في قضية الإفك أن سعد بن عبادة كيف تعصّب لابن أُبي؛ مع كونه من الإيمان والإخلاص بالمحل الأعلى، قالت عائشة: ولكن احتملته الحمية.