اسْتَقْبَلَ عُمَرُ الْحَدِيثَ يَسُوقُهُ، فَقَالَ إِنِّى كُنْتُ وَجَارٌ لِى مِنَ الأَنْصَارِ فِي بَنِى أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ، وَهْىَ مِنْ عَوَالِى الْمَدِينَةِ، وَكُنَّا نَتَنَاوَبُ النُّزُولَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَيَنْزِلُ يَوْمًا وَأَنْزِلُ يَوْمًا، فَإِذَا نَزَلْتُ جِئْتُهُ مِنْ خَبَرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنَ الأَمْرِ وَغَيْرِهِ، وَإِذَا نَزَلَ فَعَلَ مِثْلَهُ، وَكُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نَغْلِبُ النِّسَاءَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى الأَنْصَارِ إِذَا هُمْ قَوْمٌ تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ، فَطَفِقَ نِسَاؤُنَا يَأْخُذْنَ مِنْ أَدَبِ نِسَاءِ الأَنْصَارِ، فَصِحْتُ عَلَى امْرَأَتِى، فَرَاجَعَتْنِى، فَأَنْكَرْتُ أَنْ تُرَاجِعَنِى، فَقَالَتْ وَلِمَ تُنْكِرُ أَنْ أُرَاجِعَكَ فَوَاللَّهِ إِنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لَيُرَاجِعْنَهُ، وَإِنَّ إِحْدَاهُنَّ لَتَهْجُرُهُ الْيَوْمَ حَتَّى اللَّيْلِ. فَأَفْزَعَنِى، فَقُلْتُ خَابَتْ مَنْ فَعَلَ مِنْهُنَّ بِعَظِيمٍ. ثُمَّ جَمَعْتُ عَلَىَّ ثِيَابِى، فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَقُلْتُ أَىْ حَفْصَةُ، أَتُغَاضِبُ إِحْدَاكُنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْيَوْمَ حَتَّى اللَّيْلِ فَقَالَتْ نَعَمْ. فَقُلْتُ خَابَتْ وَخَسِرَتْ، أَفَتَأْمَنُ أَنْ يَغْضَبَ اللَّهُ لِغَضَبِ رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - فَتَهْلِكِينَ لاَ تَسْتَكْثِرِى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلاَ تُرَاجِعِيهِ فِي شَىْءٍ وَلاَ تَهْجُرِيهِ، وَاسْأَلِينِى مَا بَدَا لَكِ، وَلاَ يَغُرَّنَّكِ أَنْ كَانَتْ جَارَتُكِ هِىَ أَوْضَأَ مِنْكِ وَأَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُرِيدُ عَائِشَةَ - وَكُنَّا تَحَدَّثْنَا أَنَّ غَسَّانَ تُنْعِلُ النِّعَالَ لِغَزْوِنَا، فَنَزَلَ صَاحِبِى يَوْمَ نَوْبَتِهِ فَرَجَعَ عِشَاءً، فَضَرَبَ بَابِى ضَرْبًا شَدِيدًا، وَقَالَ أَنَائِمٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وبالألف من غير تنوين عوضًا عن ياء الإضافة. قيل: إنما تعجب من خوفه من عمر مع قربه منه، وعظم قدره عنده، والذي يدل عليه ما صرح به في بعض طرقه أنه قال: وكان رجلًا مهيبًا فذكرت له فقال: لا تفعل إذا علمت عندي شيئًا من العلم فاسأل (استقبل الحديث) أي: شرع في ذكره من أوّله (إني كنت وجار لي) عطف على اسم كان، ويجوز النصب على أنه مفعول معه (في بني أمية بن زيد) طائفة من الأنصار كانوا يسكنون العوالي (فطفق نساؤنا يأخذن من آداب نساء الأنصار) أي: شرعن في ذلك (فصحت على امرأتي) بكسر الصاد، أي: رفعت صوتي عليها (فراجعتني) أي: ردَّت عليَّ ولم تمتثل أمري (إن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ليراجعنه) أي: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (فقلت: خابت من فعل منهن) ذكّر الفعل باعتبار لفظ من (بعظيم) أي: ملتبسة بإثم عظيم، وفي رواية: جاءت، فالجار يتعلق به (ولا يغرنك إن كانت جارتك هي أوضأ منك) من الوضاءة؛ وهو الحسن والجمال، يريد أن عائشة تُدل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحسنها وحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إياها وأنت خالية من الأمرين (وكنا تحدثنا) بفتح التاء (أن غسان تنعل الخيل) -بضم التاء- من الإنعال. وغسان: طائفة من بني قحطان، نزلوا على ماء في ناحية الشام تسمى غسان فسموا باسم ذلك الماء.