. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ومن فوائد الحديث أن الإنسان إذا حَضَر مجلسَ علمٍ أو غيره إن وَجَد فُرْجَةً جلس فيها، وإلا لا يتخطّى الناس، بل يجلسُ خَلْفهم، وإذا وجد مجلس ذكر أو علم لا يولي ذاهبًا إلا لضرورة أكيدة.
فإن قلت: ربما كانت لمن ولى ضرورة؟ قلت: لو لم يعلم أنه إنما ذَهَبَ معرضًا لم يقل له ما قاله، لأنه لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحيٌ يوحى.
باب: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "رُبّ مُبَلَّغ أوعى مِن سَامِعٍ"
رُبَّ أصله التقليل ثم كثُر استعمالُهُ في التكثير، كما في الحديث هنا، وما دَخَله يكون موصوفًا غالبًا، وهو حرف جر عند البصريين، ويتعلقُ بجوابه الماضي، وقد يحذف كما في الحديث هنا. أي: رُبَّ مبلَغ حاصل أو موجود. واسم عند الكوفيين مضاف يكون أبدًا مبتدأ، ما بعده خبره. و"مُبَلَّغ" -بفتح اللام- يقال: بلغ كذا متعديًا إلى مفعول واحد. قال الله تعالى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ} [يوسف: 22] وإذا نقل إلى المزيد تعدى إلى مفعولين. قال النابغة يخاطب النعمان بن المنذر:
لئن كنت قد بُلِّغتَ عني خيانة
وليس من قبيل الحذف والإيصال كما توهم.
قال بعضُهم: تقديره: رُبَّ مبلَّغ أوعى من سامع مني. لا بد من هذا القيد، لأنه المقصود. وليس بشيء لأن مراده من هذا الكلام: الحث على التبليغ إلى آخر الدهر، ولهذا نكّر كلَّ واحدٍ من الاسمين، يدلّ على ما ذكرنا رواية الإمام أحمد وابن ماجه والطبراني: "رُب حاملِ فقهٍ إلى من هو أفقه" فإن قلتَ: فقد جاء في رواية أبي داود والترمذي: "نَضَّر اللهُ أمرأَ سمع منّي شيئًا فبلّغه كما سمعه"؟ قلت: لا دلالة في هذا فإنه أردفَهُ بقوله: (رب