وَنَحْنُ نَتَوَضَّأُ، فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ» مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا. [الحديث 60 - طرفاه في: 96 - 163]
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وسكون القاف والإرهاق من الرَّهَق وهو الدُّنُو. ومنه: الغلامُ المراهِقُ. وفي الحديث: "إذا صَلَّى أحدُكم إلى شيء فليرهقه". والمعنى: أخّرناها حتَّى كِدْنا أن نلحقها بالصلاة التي بعدها. قال القاضي: ويُروى بفتح القاف ورفع الصَّلاة. والمعنى: أعجلتنا الصَّلاة لقرب فوتها (ونحنُ نتوضأ) جملة حالية (فجعلنا نمسَحُ على أرجلنا) أي: شرعنا من أفعال المقاربة (فنادى بأعلى صوته: ويلٌ للأعقاب من النار) أي: لأصحابها حيث تركوا الفرض المقطوع به وهو قوله: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] وقيل: إنَّما خُصَّ، لأنها محل الجناية كقطع يد السارق. وفي رواية التِّرمذيِّ: "ويل للأعقاب وبطون الأقدام" لأنَّ بطون الأقدام خَفيٌّ عن الأبصار لا يصل الماءُ إليه إلَّا إذا حوفظ عليها.
فإن قلت: المسحُ عليه هو المستفاد من الآية. وهو قراءة الجر في قوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 6]؟ قلتُ: هذا الحديث وإجماع الأمة ولا على أن الجرّ في آية الوضوء محمول على جرّ الجوار. وهو إعرابٌ صحيح استعمله البلغاءُ. قال الجعبري: يروى عن الشَّافعي أن قراءة الجر محمولةٌ على المسح على الخُف بيانًا لحال الرجل في الحالتين. هذا، ولم يُنقَلْ فعلٌ أو قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا من الدهر. أنَّه فعل ذلك، أو أشار إلى جوازه. فويل للروافض من النَّار، والتعجبُ من جهلهم أنهم لا يجوزون المسحَ على الخفّ مع أنَّه من رواة حديث المسح: عليُّ بنُ أبي طالب.
(مرتين أو ثلاثًا) قيد للنداء والشك من عبد الله، وإنَّما كرّره على دأبه فإنَّه كان إذا تكلم بكلمةٍ أعادها ثلاثًا، وإن المقام يقتضي التأكيد.
فإن قلتَ: اللام للنفع، و (على) للضرر، فما معنى اللام في قوله: "ويل للأعقاب ... "؟ قلتُ: ذاك معنى آخر، واللام هنا للاختصاص.
قال بعضُهم: فإن قلتَ: المسحُ على ظهر القدم لا على الرجل كلها. قلتُ: أُريدَ القدمُ، والقرينةُ العرفُ الشرعي. هذا كلامه. قلتُ: هذا الذي ذكره بناءً على أن الرجل ليس موضوعًا للكل والجزء بالاشتراك، وفيه نزاعٌ مذكور في الأصول. وأيضًا ما ذكره إنَّما هو