تعالى الشهير بابن عنان المصري الشافعي، كان ممن جمع بين علم الشرع وعلم الحقيقة، تفقه بالشيخ يحيى المناوي، وهو ممن أخذ عنه أيضاً، وكان سيدي محمد بن عنان ممن اشتهر بالجد في العبادة، والاجتهاد في الطاعة، وقيام الليل، وحفظ الأوقات من التضييع، حتى كان سيدي محمد بن أبي الحمائل يقول: ما رأت عيني أعبد من ابن عنان، وقصده الشيخ أمين الدين ابن إمام الكاملية إلى بلاد الشرقية، وأخذ عنه وتبرك برؤيته، وكان يحفظ القرآن العظيم، قال الشيخ عبد الوهاب الشعراوي: قال لي مرة: حفظت القرآن وأنا رجل كبير، فقرأت النصف الأول أولاً على الشيخ ناصر الدين بن الاحطائي، والنصف الثاني على أخي الشيخ عبد القادر، كان لا يترك قيام الليل صيفاً ولا شتاًء، من حين كان صغيراً، وكان يتهيأ ويستعد لقيام الليل من صلاة العصر، فلا يستطيع أحد أن يكلمه حتى يصلي الوتر بعد العشاء، فإذا قام للتهجد من الليل، لا يتجرأ أحد أن يكلمه حتى يصلي الضحى، وكان لا يصغي قط لشيء من كلام الناس فيما لا يعنيه، ولا يستمع إلى أخبار الناس، لا سأل عن عزل من عزل، ولا تولية من تولى، قال الشيخ عبد الوهاب: وسمعته مرة يقول: منذ دخلت طريق الفقراء لا أقدر أجلس على حدث قط، بل وضوئي دائم ليلاً ونهاراً، قال: ولقد أصابتني جنابة مرة في ليلة باردة، وكان على باب داري بركة جمد ظاهرها من البرد، فنزلت فيها واغتسلت، فوجدتها من شدة الهمة كأنها مسخنة بالنار، وكان إذا استنجى في الخلاء وأبطأ ماء الوضوء، يرى أن يضرب يده في الحائط ويتيمم حتى يجيء الماء، ولا يجلس على غير طهارة لحظة، وكان يقول: من ادعى مجالسة الله عز وجل وهو يمكث على حدث لحظة واحدة، فهو قليل الأدب.
وظهرت له كرامات كثيرة، منها ما ذكره الشيخ يوسف الحريثي أن طائفة الفقراء وردوا على سيدي محمد على غفلة وهو شاب، وكانوا نحو خمسمائة فقير، فأشبعهم كلهم من عجين أمه، وكان نصف ويبة ستر إناء العجين بردائه، وقال لأمه: قرصي منه ولا تكشفيه، فأخذت منه ما كفاهم، ثم أمرها فكشفت الإناء فلم تجد فيه شيئاً، وقال الشيخ أمين الدين بن النجار: كنا في سفر مع سيدي أبي العباس الغمري، وسيدي محمد بن عنان، فاشتد الحر علينا، فنزل الشيخان وطرحا على حمارتيهما بردة، وجلسا في ظلها، فعطش سيدي أبو العباس فلم يجد معنا ماء يشربه، فأخذ سيدي محمد طاسته وغرف بها ماء بارداً من الأرض الناشفة وقدمه لسيدي أبي العباس، فلم يشرب منه فقال: يا شيخ محمد، الظهور في هذه الأيام يقطع