أن مسلماً لا يرد على البخاري وإنما يرد على قول آخر غير قول البخاري، وما هو هذا القول: قيل بأنه القول المرذول الذي ذكرته لكم من أنه يشترط في كل حديث أن يصرّح الراوي بالسماع، وهذا بعيد.

الاتجاه الثالث:

أن رأي مسلم هو رأي البخاري، وهذا غريب، قالوا بأنهما متفقان على العلم بالسماع، ولكن صورة العلم بالسماع كلٌ له طريقته، يعني هما متفقان على العلم بالسماع، ولكن كيف يكون العلم بالسماع؟

فالبخاري له عدّة طرق ومسلم له عدّة طرق ـ رحمهما الله ـ.

إذاً هما متفقان، فالبخاري يشترط أن يعرف من حديث أنه قال سمعت أو حدثني، لكن هذا ليس شرطاً عند البخاري، ليس شرط البخاري بالعلم بالسماع هي الصيغة ـ صيغة الأداء ـ بل إنه أوسع من ذلك بأن توجد قرائن قويّة جداً توافق " سمعت " و " حدثني "، الأصل عنده " سمعت " و " حدثني " لكن هذا لا يلزم منه أن لا يكون العلم بالسماع إلا بهذين الطريقين، انتبهوا للألفاظ الذي سأقولها.

الاتجاه الأول الذي ذكرناه يقول لا، البخاري يقول " سمعت " و " حدثني "، هو العلم بالسماع.

الاتجاه الثالث يقول لا، " سمعت " و " حدثني " هذه هي الأصل لكن لا يمنع أن يكون البخاري حكم بالسماع من غير هذين الطريقين إما بكثرة مجالسة وأنه دائماً يذهب معه ويجيء، هذا قد نقول إن البخاري يقول نقبل روايته، إذاً وافق مسلم ـ رحمه الله تعالى ـ أو لم يوافقه بإمكان الأخذ عنه؟ نعم وافقه، لكن مسلماً أشد توسعاً، هذا اتجاه آخر.

وهذه المسألة من محَازّ المسائل وأنا أطلت فيها في شرح النخبة، ولهذا الخلاف بين كبار المحدثين في هذه المسألة، فابن رُشيْد الفهري ألّف، وأبو عمرو الداني ألّف، والإمام مسلم رد عليه في مقدمة صحيحة رداً طويلاً، وبن عبد البر ذكر هذه المسألة، وبن الصلاح استشكلها ـ رحمهم الله تعالى ـ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015