ويحتمل أن تكون رواية الستين مقدمة على رواية السبعين وكان شعب الإيمان عند صدوره من النبي صلى الله عليه وسلم هذا القدر ثم قال مرة أخرى عند زيادة الشعب بلفظ سبعون فيكون كلاهما صواباً الخطابي: الإيمان اسم يتشعب إلى أمور ذوات عدد جماعها الطاعة ولذا صار من صار من العلماء إلى أن الناس متفاضلون في درج الإيمان وإن كانوا متساوين في اسمه وكان بدء الإيمان كلمة الشهادة وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بقية عمره يدعو الناس إليها وسمي من أجابه إلى ذلك مؤمناً إلى أن نزلت الفرائض وبهذا الاسم خوطبوا عند إيجابها عليهم فقال: "يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة" وهذا الحكم مستمر في كل اسم يقع على أمر ذي شعب كالصلاة فإن رجلاً لو مر على مسجد وفيه قوم منهم من يستفتح الصلاة ومنهم من هو راكع أو ساجد فقال رأيتهم يصلون كان صادقاً مع اختلاف أحوالهم في الصلاة وتفاضل أفعالهم فيها. فإن قيل إذا كان الإيمان بضعاً وسبعين شعبة فهل يمكنكم أن تسموها بأسمائها وإن عجزتم عن تفصيلها فهل يصح إيمانكم بما هو مجهول عندكم قلنا إيماننا بما كلفناه صحيح والعلم به حاصل وذلك من وجهين الأول أنه قد نص على أعلى الإيمان وأدناه باسم أعلى الطاعات وأدناه فدخل فيه جميع ما يقع بينهما من جنس الطاعات كلها وجنس الطاعات معلوم والثاني أنه لم يوجب علينا معرفة هذه الأشياء بخواص أسمائها حتى يلزمنا تسميتها في عقد الإيمان وإنما كلفنا التصديق بجملتها كما كلفنا الإيمان بملائكته وإن كنا لا نعرف أسماء أكثرهم ولا أعيانهم. النووي: قد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أعلى شعب الإيمان وأدناه كما ثبت في الصحيح من قوله: صلى الله عليه وسلم أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق فبيَّن أن أعلاها التوحيد المتعين على كل مكلف والذي لا يصح غيره من الشعب إلا بعد صحته وأن أدناها دفع ما يتوهم به ضرر المسلمين وبقي بينهما إتمام العديد فيجب علينا الإيمان به وإن لم نعرف أعيان جميع أفراده كما نؤمن بالملائكة وإن لم نعرف أعيانهم وأسماءهم. قوله: (والحياء) بالمد وهو تغير وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به ويذم ويعرف أيضاً بأنه انحصار النفس خوف ارتكاب القبائح واشتقاقه من الحياة يقال حيي الرجل إذا انتقص حياته وانتكس قوته كما يقال نسي إذا اعتل نساه أي العرق الذي في الفخذ وحشي إذا اعتل حشاه فمعنى الحياء المألوف الحياء من خوف المذمة وإن كان الحياء شعبة منه لأنه يحجز صاحبه عن المعاصي إذ الإيمان منقسم إلى ائتمار المأمور به وإلى انتهاء المنهي عنه وإنما أفراده بالذكر لأنه كالداعي إلى سائر الشعب فإن الحيي يخاف وفضيحة الدنيا فضيحة الآخرة فينزجر عن المعاصي ويمتثل الطاعات كلها وشبه الإيمان بشجرة ذات أغصان وشعب كما شبه في الحديث السابق الإسلام بخباء ذات أعمدة وأطناب وأما تخصيص الستين فلأن العدد إما زائد وهو ما أجزاؤه أكثر