الرفع على الابتداء وذكر البخاري الآية الكريمة لأن عادته أن يستدل للترجمة بما وقع له من قرآن أو سنة مسندة وغيرها وأراد أن الوحي سنة الله تعالى في أنبيائه. وقال الإمام أبو الحسن علي بن بطال المالكي المغربي: معنى هذه الآية أن الله تعالى أوحى إلى محمد صلى الله عليه وسلم كما أوحى إلى سائر الأنبياء وحي رسالة لا وحي إلهام لأن الوحي ينقسم إلى وجوه. وأقول إنما ذكر نوحا ولم يذكر آدم لأنه أول مشروع عند بعض العلماء أو لأنه أول نبي عوقب قومه فخصصه به تهديدا لقوم رسول الله صلى الله عليه وسلم ((بدء الوحي)) البدء على وزن محتمل أن يكون مهموزا فهو بمعنى الابتداء أو أن يكون ناقصا فهو بمعنى الظهور والوحي أصله الأعلام في خفاء وقيل الأعلام بسرعة وكل ما دلت به من كلام أو كتابة أو رسالة أو إشارة فهو وحي ومن الرؤيا والإلهام وأوحى ووحي لغتان والأولى أفصح وبها ورد القرآن وقد يطلق ويراد به اسم المفعول منه أي من الموحي وأما بحسب اصطلاح المتشرعة فهو كلام الله المنزل على نبي من أنبيائه. وقال الإمام أبو عبد الله التيمي: الأصفهاني الوحي أصله التفهيم وكلما فهم به شيء من الإشارة والإلهام والكتب فهو وحي قيل في قوله: تعالى ((فأوحى إليهم إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا)) أي كتب وفي قوله: ((وأوحى ربك إلى النحل)) وأما الوحي بمعنى الإشارة فكما قال الشاعر:
يرمون بالخطب الطوال وتارة ... وحى الملاحظ خيفة الرقباء
وقال وأعلم أنه لما كان كتابه معقودا على أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم طلب تصديره بأول شأن الرسالة والوحي ولم يرد أن يقدم عليه الخطبة. فإن قيل ترجمة لبيان بدء الوحي والحديث لبيان كون الأعمال محتاجة إلى النية قلنا. قال: العلماء: البخاري رحمه الله أورد هذا الخبر بدلا من الخطبة وأنزله منزلها فكأنه قال بدأت بهذا الكتاب وصدرته بكيفية بدء الوحي وقصدت به التقرب إلى الله تعالى فإن العمال بالنيات. قال وأعلم أنه لو قال كيف كان الوحي وبدؤه لكان أحسن لأنه تعرض لبيان كيفية الوحي لا بيان كيفية بدء الوحي. وكان ينبغي أن لا يقدم عليه بعقب الترجمة غيره ليكون أقرب إلى الحسن وكذا حديث ابن عباس رضي الله عنهما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس لا على بدء الوحي ولا تعرض له غير أنه لم يقصد بهذه الترجمة تحسين العبارة وإنما مقصوده فهم القارئ والسامع إذا قرأ الحديث علم مقصوده من الترجمة فلم يشتغل بها تعويلا على فهم القارئ. أقول ليس قوله: لكان أحسن مسلما لأنا لا نسلم أنه ليس بيانا لكيفية بدء الوحي إذ يعلم بما في الباب أن الوحي كان ابتداؤه على حال المنام ثم في حال الخلوة بغار حراء على الكيفية المذكورة من الغط ونحوه ثم ما فر هو عنه لازم عليه على هذا