وصلى لكل ترجمة ركعتين وقيل صنف الجامع في ست عشرة سنة والله أعلم بذلك, ودخل بغداد مرات وانقاد أهلها له في الحديث بلا منازعة ولهم معه حكاية مشهورة في امتحانهم له بقلب الأسانيد والمتون فصحح كلها في الساعة وحين وقعت الفتنة واشتدت المحنة في مسالة خلق القرآن رجع من بغداد إلى بخارى فتلقاه أهلها في تجمل عظيم ومقدم كريم وبقي مدّة يحدّثهم في مسجده فأرسل إليه أمير البلد خالد بن محمد الهذلي يتلطف معه ويسأله أن يأتيه بالصحيح ويحدّثهم به في قصره فامتنع البخاري من ذلك وقال: لا أذل العلم ولا أحمله إلى أبواب الناس' فحصلت وحشة بينهما فأمره الأمير بالخروج من البلد ويقال إنّ البخاري دعا عليه فلم يأت شهر حتى ورد أمر دار الخلافة بأن ينادى على خالد في البلد فنودي عليه على أتان وحبس إلى أن مات ,ولما خرج من بخارى كتب إليه أهل سمرقند يخطبونه إلى بلدهم فسار إليهم فلما كان بقرية خرتنك ((بفتح المعجمة وإسكان الراء وفتح الفوقانية وسكون النون)) وهي على فرسخين من سمرقند بلغه أنه وقع بينهم بسببه فتنة فقوم يريدون دخوله وقوم يكرهونه' فأقام بها حتى ينجلي الأمر فضجر ليلة ودعا- وقد فرغ من صلاة الليل-اللهم لقد ضاقت عليّ الأرض بما رحبت فاقبضني إليك فمات في ذلك الشهر سنة ست وخمسين ومائتين وعمره اثنان وستون سنة , فإن قلت كيف استجاز الدعاء بالموت وقد خرّج هو في صحيحه ((لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به)) قلت: نصوا بأن المراد بالضرّ هو الدّنيوي وأمّا إذا نزل به ضرّ ديني فإنّه يجوز تمنيه خوفا من تطرّق الخلل في الدّين ولماّ دفن رحمة الله عليه فاح من تراب قبره رائحة الغالية أطيب من المسك وظهر سوار بيض في السماء مستطيلة حذاء القبر' وكانوا يرفعون التراب منه للبركة حتى ظهرت الحفرة للناس ولم يكن يقدر على حفظ القبر بالحراّس فنصب على القبر خشبات مشبكات فكانوا يأخذون ما حواليه من التراب والحصيات ودام ريح الطيب أياّما كثيرة حتى تواتر عند جميع أهل تلك البلاد وأمثال هذه الكرامات الإلهية لا يستعظم بالنسبة إلى أمثال هؤلاء العباد, رفع الله تعالى ذكره الشريف وقد فعل وجعل له لسان صدق في الآخرين وقد جعل.

واعلم أن الحديث موضوعه: هو ذات رسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث أنه رسول الله وحده: هو علم يعرف به أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفعاله وأحواله. وغايته: الفوز بسعادة الدارين. وان عدد كتب الجامع مائة وشيء وعدد الأبواب ثلاثة آلاف وأربعمائة وخمسون بابا مع اختلاف قليل في نسخ الأصول وعدد الأحاديث المسندة فيه سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون حديثا, والمكررات منه قريب النصف فأحاديثه بدون التكرار تقارب أربعة آلاف وعدد مشايخه الذين خرج عنهم فيه مائتان وتسعة وثمانون وعدد من تفرّد بالرواية عنهم دون

طور بواسطة نورين ميديا © 2015