ما يصيبه في دين الله تعالى من المكروه ليسهل عليه ما يلحقه من الأذى. ولئلا يدخل نفسه عليه شيئًا من المهلكات أو تستريح إلى من عودها المعارضة للتقوي به فيكلها الله إليه وكمال التوحيد أن لا يرى الأمور كلها إلا من الله وعلامة ذلك أن لا يغضب على أحد من الخلق بما يجري عليه إذ لا يرى الوسائط ونما يرى مسبب الأسباب فمن الناس من له من التوحيد مثل الجبال ومنهم من له دون المثقال.
وروى أبو بكر بن أبي الدنيا بسنده عن مبارك بن فضالة عن الحسن البصري أن رجًلا كان يقال له عقيب كان يعبد الله وكان في ذلك الزمان ملك يعذب الناس بالمثلات فقال عقيب: لو نزلت إلى هذا فأمرته بتقوى الله كان أوجب علي، فنزل من الجبل فقال له: يا هذا اتق الله فقال له لجبار: يا كلب مثلك يأمرني بتقوى الله لأعذبنك عذابًا لم يعذب به أحد من العالمين فأمر به أن يسلخ من قدميه إلى رأسه فسلخ فلما بلغ بطنه أن أنة أوحى الله إليه عقيب اصبر أخرجك من دار الحزن إلى دار الفرح ومن دار الضيق إلى دار السعة فلما بلغ السلخ إلى وجهه صاح فأوحى الله إليه عقيب: أبكيت أهل سمائي وأهل أرضي وأذهلت ملائكتي لئن صحت الثالثة لأصبن عليهم العذاب صبًا فصبر حتى سلخ وجهه مخافة أن يأخذ قومه العذاب.
فجهاد النفس على الصبر والاحتمال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أفضل من الصبر في غيره لأن الأمر والنهي أفضل الجهاد وبه صلاح العباد والبلاد إذ تغيير المنكر في غالب الأوقات أميز من عبادة المتعبد في كثير من السنوات فإذا علم العبد ذلك وتأمله بعد النظر فيه فصبر جاءه النصر وحصل له من خيري الدنيا والآخرة ما ليس له حصر.
قال الله تعالى: {حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء وزلا يرد بأسنا عن القوم المجرمين}.
وقال تعالى: { .. حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب}
وأنشدوا:
إذا تضايق أمرنا ننتظر فرجا ... فأضيق الأمر أدناه من الفرج
فإذا اشتد الكرب وعظم وتناهى ووجد الإياس من كشفه من جهة المخلوق ووقع التعلق بالخالق وحده أسرع الفرج إلى صاحبه واستجيب دعاه وصار متوكًلا لأن التوكل هو قطع الاستشراف باليأس من المخلوقين.