الناهي عن المنكر يحمي عن طعام المعاصي. ولكن الطبيب مبغوض. قال الله تعالى: {ولكن لّا تٌحبٌون النّصحين}.

فمن قصد الناس بالإنكار عليهم، ونظر بعين النصيحة إليهم سارعوا إلى إهلاكه ومبادرته، وسبقوه قبل إن تسبق إليهم سيوف نقمته.

وروى البيهقي- في الشعب- بسنده، عن العلاء بن جرير، عن أبيه، عن الأحنف بن قيس. قال: من أسرع إلى الناس بما يكرهون. قالوا فيه مالا يعلمون".

كما قيل:

أرنوا إلى الأقوام أبغي ذكرهم ... أبدًا ويجهل بعضهم مقداري

وروى ابن أبي الدنيا- بإسناده- عن أبي مخلد، عن عطاء بن مسلم. قال: قال لي سفيان الثوري- قدس الله روحه-: يا عطاء احذر الناس وأنا فاحذرني فلو خالفت رجًا في رمانة فقال: حامضة وقلت حلوة. أو قال: حلوه. وقلت: حامضة لخشيت أن يشيط بدمي.

وقال مرة: يشي بي إلى السلطان.

قوله: (يشيط بدمي) يقال: أشاط فلان، أي ذهب دمه هدرًا. ويقال: أشاطه وأشاط دمه أي عرضه للقتل. والله أعلم.

وقال سفيان- أيضًا- صاف من شئت ثم اغضبه بالمراء، فليرمينك بداهية تمنعك من العيش.

ولقد كان سبب قتل عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- أنه أمر ملجمًا بمعروف فقتله كما سيأتي- في الباب العاشر- إن شاء الله تعالى.

فقد جرت عادة الله التي لا تبدل، وسنته التي لا تحول في خلقه لا سيما في زماننا هذا أن من عظمت منزلته وتزايدت رتبته، وتردد الناس في حوائجهم إليه، وعولوا في كل قلب مسود منكوس.

كما قيل:

لو لم يكن لي في القلوب مهابة ... ما أكثر الأعداء فيّ وأقدحوا

كالليث لما هيب حط له الزناد ... وعوت لخشيته الكلاب النبح

طور بواسطة نورين ميديا © 2015