أما وعظت بما يكفي؟ أما رأيت من العبر- ما يشفي؟ يا من بين يديه يوم لا شك فيه ولا مرى، يقع - فيه - الفراق وتنفصم العرى، تدبر أمرك قبل أن تحضر وترى، وانظر لنفسك نظر من قدمهم ما جرى، قبل أن يغضب الحاكم والحاكم رب الورى: {يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا}
الطبقة الخامسة: من يقبل الأوامر والنواهي علانية وجهرًا، وإذا ارتكب الذنوب خفية وسرًا، فيكون قبوله للأمر والنهي تقية، وإذا غاب عمن يأمره عاد إلى البرية، حيث لا يكون أحد مما يخافه لديه، فيجعل الله- تعالى- أهون الناظرين إليه كما قيل:
إذا ظلمة الليل انجلت بصفائها ... تعود لعينيه ظلامًا كما هيا
فهذا الصنف ثري ممن قال الله فيهم: {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون}.
يا منعكفًا على ذلله وذنبه، لا يؤثر عنده أليم عتبه، يا من يبارز مولاه بما يكره، ويخالفه في أمره آمنًا مكره، يا من قبائحه ترفع عشيًا وبكرة، يا قليل الزاد ما أطول السفرة، والنقلة قد دنت والمصير إلى الحفرة.
متى تعمل في قلبك المواعظ، متى تراقب العواقب وتلاحظ؟ ! أما تحذر من أوعد وتهدد، أما تخاف من أنذر وتشدد، متى تضرم نار الحرب في قلبك وتتوقد، إلى متى بين القصور والغواني تتردد.
يا سكران الهوى، والى الآن ناصحًا، يا مفني زمانه الشريف لهوًا ومرحًا، يا من كلما بنى نقض، وحيثما رفع انخفض- يا عجيب الداء والمرض، كم مضرور بعد النفع. كم مدفوع عن إعراضه أقبح الدفع - أسفًا لمن إذا ربح العاملون خسر، وإذا أطلق المتقون أسر.
الطبقة السادسة: من يسمع ويطيع وتؤثر فيه المواعظ، والتقريع، فيحدث توبة خالصة في الوقت، رغبة في الثواب ورهبة في المقت ولا يتأخر- عن ذلك - ساعة ولا دقيقة، ويعقد مع الله عهودًا أكيدة ووثيقة بعدم العودة إلى ما كان عليه، وندم على ما أسلف من الذنوب بين يديه.
ويحل عقد الأسرار، ويكثر من ذكر الله والاستغفار.