الْعَبَث بِنَاء على الظَّاهِر، والتنبيه على تقاصر الزَّمَان عَن إتْيَان الْمَحْذُوف، وَأَن الِاشْتِغَال بِهِ يُفْضِي إِلَى) فَوت المهم، والتفخيم والإعظام وَالتَّخْفِيف لِكَثْرَة دورانه فِي كَلَامهم، ورعاية الفواصل وصيانة الْمَحْذُوف تَشْرِيفًا لَهُ، وصيانة اللِّسَان عَنهُ تحقيرا لَهُ، وَغير ذَلِك
وَمن جملَة أدلته أَنه يدل عَلَيْهِ الْعقل حَتَّى يَسْتَحِيل صِحَّته بِلَا تَقْدِير، كَمَا فِي {واسأل الْقرْيَة}
وَالْعَادَة الشَّرْعِيَّة كَمَا فِي {إِنَّمَا حرم عَلَيْكُم الْميتَة} أَي: التَّنَاوُل وَيدل الْعقل على الْحَذف وَالْعَادَة على التَّعْيِين كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فذالكن الَّذِي لمتنني فِيهِ} ، فَإِن يُوسُف النَّبِي لَيْسَ مَحل اللوم، فَتعين أَن يكون غَيره عقلا، وَعين الْعَادة مراودتها للوم، إِذْ الْحبّ لَا يلام عَلَيْهِ صَاحبه لكَونه اضطراريا
وتدل الْعَادة على تعْيين الْمَحْذُوف كَقَوْلِه تَعَالَى: {بِسم الله} فَإِن اللَّفْظ يدل على أَن فِيهِ حذفا، وَدلّ الشَّرْع على تَعْيِينه من قِرَاءَة أَو أكل أَو شرب أَو غير ذَلِك
وَمن جملَة الْأَدِلَّة اللُّغَة ك (ضربت) فَإِن اللُّغَة شاهدة على أَن الْفِعْل الْمُتَعَدِّي لَا بُد لَهُ من مفعول، لَكِن لَا على التَّعْيِين وَتقدم مَا يدل على الْحَذف إِمَّا فِي سِيَاقه أَو فِي مَوضِع آخر.
وَمن جملَة شُرُوط الْحَذف أَن يكون فِي الْمَذْكُور دلَالَة على الْمَحْذُوف إِمَّا من لَفظه أَو من سِيَاقه، وَهَذَا من قَوْلهم: لَا بُد أَن يكون فِيمَا أبقى دَلِيل على مَا ألْقى وَإِلَّا يصير اللَّفْظ مخلا بالفهم، وَتلك الدّلَالَة مقالية وحالية
فالمقالية: قد تحصل من إِعْرَاب اللَّفْظ، وَذَلِكَ كَمَا إِذا كَانَ مَنْصُوبًا فَيعلم أَن لَهُ ناصبا، وَإِذا لم يكن ظَاهرا لم يكن بُد من التَّقْدِير نَحْو: {أَهلا وسهلا ومرحبا}
والحالية: قد تحصل من النّظر إِلَى الْمَعْنى، وَالْعلم لَا يتم إِلَّا بِمَحْذُوف كَمَا فِي قَوْلنَا: (فلَان يحل ويربط) أَي: يحل الْأُمُور ويربطها، وَقد تدل الصِّنَاعَة النحوية على التَّقْدِير كَقَوْلِهِم فِي (لَا أقسم) لَا أَنا أقسم، لِأَن الْفِعْل الحالي لَا يقسم عَلَيْهِ، وَقد تَتَعَدَّد الْأَدِلَّة وَالتَّقْدِير بحسبها وَهَذَا الشَّرْط مُحْتَاج إِلَيْهِ إِذا كَانَ الْمَحْذُوف جملَة بأسرها نَحْو: {قَالُوا سَلاما} أَي: سلمنَا سَلاما أَو ركنا نَحْو: {قَالَ سَلام قوم منكرون} أَي: سَلام عَلَيْكُم أَنْتُم قوم منكرون
وأقسام الْحَذف: الاقتطاع: وَهُوَ ذكر حرف من الْكَلِمَة وَإِسْقَاط الْبَاقِي وَقد جعل مِنْهُ بَعضهم فواتح السُّور، لِأَن كل حرف يدل على اسْم من أَسمَاء الله تَعَالَى، وَقيل فِي قَوْله تَعَالَى: {وأمسحوا برؤوسكم} إِن الْبَاء هَهُنَا أول كلمة بعض وَفِي الحَدِيث: " كن بِالسَّيْفِ شاه " أَي: شَاهدا
والاكتفاء: وَهُوَ أَن يَقْتَضِي الْمقَام ذكر شَيْئَيْنِ بَينهمَا تلازم وارتباط فيكتفى بِأَحَدِهِمَا عَن الآخر، وَيخْتَص بالارتباط العطفي غَالِبا كَقَوْلِه تَعَالَى: