بقيت على حرف وَاحِد لم تقم بِنَفسِهَا، فَعلم بِحَذْف ألف (مَا) افتقارها إِلَى الْهمزَة
الْإِمْكَان: هُوَ أَعم من الوسع، لِأَن الْمُمكن قد يكون مَقْدُورًا للبشر، وَقد يكون غير مَقْدُور لَهُ، والوسع رَاجع إِلَى الْفَاعِل والإمكان إِلَى الْمحل، وَقد يكونَانِ مترادفين بِحَسب مُقْتَضى الْمقَام
والإمكان إِمَّا عبارَة عَن كَون الْمَاهِيّة بِحَيْثُ يتساوى نِسْبَة الْوُجُود والعدم إِلَيْهِ، أَو عبارَة عَن نفس التَّسَاوِي على اخْتِلَاف العبارتين، فَيكون صفة للماهية حَقِيقَة من حَيْثُ هِيَ هِيَ، والاحتياج صفة الْمَاهِيّة بِاعْتِبَار الْوُجُود والعدم، لَا من حَيْثُ هِيَ هِيَ، لِأَن الْمُمكن فِي ترجح أحد طَرفَيْهِ على الآخر يحْتَاج إِلَى الْفَاعِل إيجادا أَو إحداثا لَا فِي نفس التَّسَاوِي، فَإِنَّهُ مَحْض اعْتِبَار عَقْلِي
وللمكن أَحْوَال ثَلَاث: تَسَاوِي الطَّرفَيْنِ، ورجحان الْعَدَم بِحَيْثُ لَا يُوجب الِامْتِنَاع، ورجحان الْوُجُود بِحَيْثُ لَا يُوجب الْوُجُود
[ويستحيل أَن يخرج كل مُمكن إِلَى الْوُجُود بِحَيْثُ لَا يبْقى من الممكنات شَيْء فِي الْعَدَم، بل يجوز أَن يكون مُمكن لَا يُوجد أصلا، وَلم تتَعَلَّق الْإِرَادَة بِوُجُودِهِ، بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى: {وَلَو شِئْنَا لآتينا كل نفس هداها} ونظائره كَثِيرَة
وَهل يُمكن وجود مُمكن لَيْسَ متحيزا أَو لَا قَائِما بالمتحيز كَمَا يَقُول الفلاسفة فِي الْعُقُول والنفوس الفلكية والإنسانية؟ قَالَت الْمُعْتَزلَة وَكثير من أَصْحَاب الأشاعرة: هَذَا مِمَّا لَا يدل عَلَيْهِ دَلِيل من عقل وَلَا نقل، فَلَا يكون ثَابتا فِي نَفسه؛ وَحَاصِله يرجع إِلَى نفي الْمَدْلُول لانتفاه دَلِيله وَالْأَقْرَب فِي هَذَا الْبَاب أَن يُقَال: وجود مُمكن مثل هَذَا شَأْنه لَا سَبِيل إِلَى إثْبَاته، وَسَوَاء كَانَ ثَابتا فِي نفس الْأَمر أَو لم يكن ثَابتا
وَقَالَ بَعضهم: مَا الْمَانِع من وجود مَا لَيْسَ متحيزا وَلَا قَائِما بالمتحيز، وَيمْتَنع اختراعه بِحَيْثُ المتحيز؛ كَمَا أَنه يمْتَنع اختراع عرض غير قَائِم بالمتحيز، وَمَا الْمَانِع أَيْضا من جَوَاز قِيَامه بالمتحيز إِذا خلق فِي حيثه، وَيكون قَائِما بِنَفسِهِ إِذا لم يخلق فِي حَيْثُ المتحيز وَبِه وينفصل عَن الْعرض، حَيْثُ لَا تصور لوُجُوده إِلَّا فِي حَيْثُ المتحيز]
والإمكان الْعَام: هُوَ سلب الضَّرُورَة عَن أحد الطَّرفَيْنِ
والإمكان الْخَاص: سلب الضَّرُورَة عَن الطَّرفَيْنِ
والإمكان الذاتي: بِمَعْنى التجويز الْعقلِيّ الَّذِي لَا يلْزم من فرض وُقُوعه محَال، وَهَذَا النَّوْع من الْمُمكن قد لَا يكون الْبَتَّةَ وَاقعا كمنارة من مَاء، وتمييز ماءين صبا فِي إِنَاء
وَقد يعد محالا عَادَة فتبتنى على امْتِنَاعه أَدِلَّة بعض المطالب الْعَالِيَة، كبرهان الوحدانية المبتنى على التمانع عِنْد وُقُوع التَّعَدُّد، وَلَا يكون احْتِمَال وُقُوعه قادحا فِي كَون إِدْرَاك نقيضه علما، كالجزم بِأَن هَذَا حجر لَا يقْدَح فِي كَونه علما لاحْتِمَال انقلابه حَيَوَانا، مَعَ اشتراطهم فِي الْعلم عدم احْتِمَال النقيض، والخلاء عِنْد الْمُتَكَلِّمين من هَذَا الْقَبِيل
والإمكان الذاتي أَمر اعتباري يعقل الشَّيْء عِنْد انتساب ماهيته إِلَى الْوُجُود، وَهُوَ لَازم لماهية الْمُمكن، قَائِم بهَا، يَسْتَحِيل انفكاكه عَنْهَا، وَبِه يسْتَدلّ على جَوَاز إِعَادَة الْمَعْدُوم، خلافًا