الكليات (صفحة 15)

وَالْعرب تجْعَل الْعم أَبَا وَالْخَالَة أما، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {وَرفع أَبَوَيْهِ على الْعَرْش} يَعْنِي أَبَاهُ وخالته وَكَانَت أمه قد مَاتَت

وَقَالَ أَيْضا حِكَايَة عَن يُوسُف: {وَاتَّبَعت مِلَّة آبَائِي إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب} وَكَانَ إِسْحَق جده وَإِبْرَاهِيم جد أَبِيه

وَالْمرَاد من قَوْله تَعَالَى: {كَمَا أخرج أبويكم من الْجنَّة} آدم وحواء

وَورد أَيْضا: الْخَال أحد الْأَبَوَيْنِ

إِلَّا أَنه تَسْمِيَة الْجد أَبَا بِمَعْنى التفرع مِنْهُ بِخِلَاف الْعم وَالْخَال، فَإِنَّهُمَا إِنَّمَا سميا أَبَا للازم آخر من لوازمه وَهِي التربية وَالْقِيَام بمصالح الْمَرْء؛ وَهَذَا الْمجَاز مَشْهُور فِي الشَّرَائِع السالفة على مَا رُوِيَ فِي الْإِنْجِيل أَن عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَام - قَالَ: " أَنطلق إِلَى أبي وأبيكم " وَأَرَادَ الرب سُبْحَانَهُ لِأَنَّهُ الْقَائِم بمصالح الْعباد وإتمام أُمُورهم

وَالِابْن: أَصله (بني) بِالْيَاءِ لما قيل أَن مَعْنَاهُ أَنه يبْنى على مَا بني أَبوهُ

والبنوة: لَا تدل على كَونه بِالْوَاو، كالفتوة، والفتى، شبه الْأَب بالأس وَالِابْن بِمَا يبْنى عَلَيْهِ

{ونادى نوح ابْنه} أَي ابْن امْرَأَته بلغَة طَيئ وَقد قرئَ ابْنهَا

ويستعار الابْن فِي كل شَيْء صَغِير فَيَقُول الشَّيْخ للشاب الْأَجْنَبِيّ: (يَا ابْني) ويسمي الْملك رَعيته بالأبناء، والأنبياء فِي بني إِسْرَائِيل كَانُوا يسمون أممهم أَبْنَاءَهُم والحكماء وَالْعُلَمَاء يسمون المتعلمين مِنْهُم أَبْنَاءَهُم

وَقد يكنى بالابن فِي بعض الْأَشْيَاء لِمَعْنى الصاحب كَقَوْلِهِم (ابْن عرس) و (ابْن مَاء) و (بنت وردان) و (بَنَات نعش) على الِاسْتِعَارَة والتشبيه

وَيُقَال أَيْضا لكل مَا يحصل من جِهَة شَيْء أَو تَرْبِيَته أَو كَثْرَة خدمته أَو قِيَامه بأَمْره أَو توجهه إِلَيْهِ أَو إِقَامَته عَلَيْهِ هُوَ ابْنه كَمَا يُقَال: (أَبنَاء الْعلم) و (أَبنَاء السَّبِيل) و (من أَبنَاء الدُّنْيَا) وَمن هُنَا سمي عِيسَى النَّبِي - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام - ابْنا، وَذَلِكَ لتوجهه فِي أَكثر أَحْوَاله شطر الْحق واستغراق أغلب أوقاته فِي جَانب الْقُدس

قَالَ الإِمَام الْعَلامَة مُحَمَّد بن سعيد الشهير بالبوصيري - نور الله مرقده وَفِي أَعلَى غرف الْجنان أرقده -: " إِن بعض النَّصَارَى انتصر لدينِهِ وانتزع من الْبَسْمَلَة الشَّرِيفَة دَلِيلا على تَقْوِيَة اعْتِقَاده فِي الْمَسِيح وَصِحَّة يقينه بِهِ فَقلب حروفها، ونكر معروفها، وَفرق مألوفها وَقدم فِيهَا وَأخر وفكر وَقدر، ثمَّ عبس وَبسر، ثمَّ أدبر واستكبر فَقَالَ: قد انتظم من الْبَسْمَلَة: الْمَسِيح ابْن الله الْمُحَرر

فَقلت لَهُ: فيحث رضيت الْبَسْمَلَة بَيْننَا وَبَيْنك حكما وجوزت مِنْهَا أحكاما وَحكما، فلتنصرن الْبَسْمَلَة الأخيار منا على الأشرار، ولتفضلن أَصْحَاب الْجنَّة على أَصْحَاب النَّار قَالَت لَك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015