وقالَ ابنُ قدامة رحمه الله: «والمخالفُ في هذهِ المسألةِ قدْ أنكرَ هذا يزعمُ أنَّ موسى كاذبٌ في هذا بطريقِ القطعِ واليقينِ، مع مخالفتهِ لرَبِّ العالمينَ، وتخطئتهِ لنبيِّهِ الصَّادقِ الأمينِ، وتركهِ منهجَ الصَّحابةِ والتَّابعينَ، والأئمَّةِ السَّالفينَ، وسائرِ الخلقِ أجمعينَ. ونسألُ الله تعالى أنْ يعصمَنا مِنَ البدعِ برحمتهِ، ويوفِّقَنا لاتِّباعِ سنَّتهِ» (?).
وقالَ السَّعديُ رحمه الله في قولهِ تعالى: {ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأََظُنُّهُ كَاذِبًا} [غافر: 36 - 37]: «فهذا صريحٌ في تكذيبهِ لموسى في قولهِ إنَّ الله فوقَ السَّماواتِ والخلقِ كلِّهم، وتبعَ فرعونَ على قولهِ هذا جميعُ «الجهميَّةِ الفرعونيَّةِ»، ورموا ببلائهم «أهلَ السنَّةِ والجماعةِ» وقالوا: إنَّ مذهبَهم مذهبُ فرعونَ الذي اعتقدَ علوَّ الله على خلقهِ، وهذا منَ العجائبِ وقلبِ الحقائقِ (?). ومِنَ المعلومِ أنَّ «الجهميَّةَ» أولى بفرعونَ في هذهِ الحالةِ، لأنَّهُ قالها إنكارًا، وهو نفسُ مذهبِ «الجهميَّةِ»، فإنَّهم أنكروا كلامَ اللهِ وعلوَّهُ على خلقهِ، كمَا أنكرَ فرعونُ ذلكَ بتكذيبهِ لرسالةِ موسى ولعلوِّ الله، وليسَ بينهم فرقٌ، إلَّا أنَّ فرعونَ صرَّحَ بالإنكارِ وهمْ موَّهوا العباراتِ وزخرفوا الألفاظَ، وقبَّحوا الحسنَ وحسَّنوا القبيحَ، وسَمَّوا أنفسهم أهلَ الحقِّ، وسَمَّوا غيرهم أهلَ الباطلِ، فانخدعوا لهذهِ الزخارفِ وخدعوا غيرهُم» (?).
وقالَ ابنُ القيِّم رحمه الله:
وَمِنَ المَصَائِبِ قَولُهُمْ إنَّ اعتِقَا ... دَ الفوقِ مِنْ فِرْعَونَ ذِي الكُفرانِ