اعلمْ - وفَّقنا اللهُ وإيَّاكَ لما يُرضيهِ منَ القولِ والنِّيةِ والعملِ، وأعاذنا وإيَّاكَ منَ الزَّيغِ والزَّللِ - أنَّ صالحَ السَّلفِ، وخيارَ الخلفِ، وسادةَ الأئمَّةِ، وعلماءَ الأمَّةِ، اتفقَتْ أقوالُهمْ، وتَطابقَتْ آراؤهُمْ عَلَى أنَّ اللهَ موصوفٌ بصفاتِ الكمالِ، ونعوتِ الجلالِ، التي جاءَ بِهَا الكتابُ والسنَّةُ؛ يُثبتونَ للهِ مَا أثبتهُ لنفسهِ المقدَّسةِ، وما وصفهُ بِهِ رسولُهُ صلى الله عليه وسلم، مِنْ غيرِ تَمثيلٍ، وَلاَ تَعطيلٍ، ومِنْ غيرِ تَكييفٍ، وَلاَ تَشبيهٍ؛ ولا يَبتدِعونَ للهِ وصفًا لم يَرِدْ بِهِ كتابٌ وَلاَ سُنَّةٌ.
فإنَّ اللهَ تَعَالَى: أعظمُ، وأَجَلُّ، وأكبرُ، وأعلى، وأكملُ فِي صدورِ أوليائهِ المؤمنينَ، منْ أنْ يَتجاسَرُوا عَلَى وصفهِ، ونعتهِ، بمجرَّدِ عقولهمْ وآرائهمْ، وخيالاتِ أوهامهم. فَهُمْ كما يقولُ ابنُ القيِّم رحمه الله:
وَكَلاَمُ رَبِّ العَالَمِينَ وَعَبْدِه ... فِي قَلْبهِ أعْلى وَأَكْبَرُ شَانِ
مِنْ أنْ يُحَرَّفَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَأَنْ ... يُقْضَى لَهُ بِالعَزْلِ عَنْ إيقَانِ (?)
فآمَنُوا بما قالَ اللهُ سبحانهُ في كتابهِ، وصحَّ عنْ نبيِّهِ، وأمَرُّوهُ كما وَرَدَ منْ غيرِ تعرُّضٍ لكيفيَّةٍ، أو اعتقادِ شبهةٍ أو مِثْلِيَّةٍ، أو تأويلٍ يؤدِّي إلى تعطيلٍ (?)، ووَسِعَتْهُمُ السنَّةُ المحمَّديةُ، والطريقةُ المرضيَّةُ، ولم يَتعدَّوها إلى البدعةِ المُرْدِيَةِ الرَّدِيَّة، فحازُوا بذلكَ الرُّتبةَ السَّنِيَّةَ، والمنزلةَ العَلِيَّةَ (?).