وخلاصةُ هذهِ الشبهةِ وما تدورُ عليهِ عندَ جميعِ منْ يحتجُّ بها سواءٌ مِنَ الجهميَّةِ أو مِنْ غيرهمْ «إنَّ النزولَ نقلةٌ، والنُّقلةُ منْ خصائصِ الأجسامِ فيلزمهَا لوازمٌ تمتنعُ في حقِّ اللهِ تعالى»، وهذهِ اللوازمُ التي يذكرونها تلزمُ فيمنْ ليسَ بإلهٍ، وربٍّ للخلقِ. والله سبحانه وتعالى «منزَّهٌ أنْ تكونَ صفاتهُ مثلَ صفاتِ الخلقِ كما كانَ منزَّهًا أنْ تكونَ ذاتُهُ مثلَ ذواتِ الخلقِ فمجيئهُ وإتيانهُ ونزولهُ على حسبِ ما يليقُ بصفاتهِ منْ غيرِ تشبيهٍ وكيفٍ» (?).
وما أحسنَ قول الشاعرِ:
الرَّبُّ ربٌّ وإنْ تنزَّل ... والعبدُ عبدٌ، وإنْ ترقَّى! (?)
الشبهةُ الرابعةُ
قالَ السَّقَّافُ: لا يمكنُ أنْ ينزلَ بذاتهِ كما تتخيَّلُ المجسِّمةُ إلى السَّماء الدنيا؛ لأَنَّ في ذلكَ حلولُ الخالقِ في المخلوقِ، وهوَ كفرٌ بواحٌ (?).
اعلمْ - سلَّمكَ الله مِنَ الشبهاتِ والشهواتِ - بأنَّ «الأوهامَ الباطلةَ والعقولَ الفاسدةَ لمَّا فهمتْ منْ نزولِ الرَّبِّ مَا يُفهمُ منْ نزولِ المخلوقِ - وهو أنْ يفرغَ مكانًا ويشغلَ مكانًا - نفتْ حقيقةَ ذلكَ فوقعتْ فِي محذورينِ: محذورُ التَّشبيهِ ومحذورُ التَّعطيلِ. ولوْ علمتْ هذهِ العقولُ الضعيفةُ أنَّ نزولَهُ سُبْحَانهُ لا يشبهُ نزولَ المخلوقِ كَمَا أنَّ سمعَهُ وبصرَهُ وعلمَهُ وحياتَهُ كذلك. وإذا كانَ نزولًا لَيْسَ كمثلهِ نزولٌ فكيفَ تنفِي حقيقتَهُ»؟! (?).
والكلماتُ المذكورةُ باطلةٌ وعنْ حلى التحقيقِ عاريةٌ.
وزَعْمُ السَّقَّافِ أَنَّ مَنْ قالَ ينزلُ بذاتهِ أنَّهُ مجسمٌ حلوليُّ: قولٌ بلا علمٍ وكذبٌ وافتراءٌ: {إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ} [النحل: 116].