الثالثُ:

أنَّهُ مِنْ عادةِ الملوكِ الكرماءِ، والسَّادةِ الرُّحماءِ، إذا أرادوا أنْ يكرموا أهلَ بلدٍ، أنْ يحلُّوا عليهم قريبًا منْ بلادهمْ، أو في ديارِهِمْ، ليكرموهم بما يريدونَ، ويَسْمَعُوا حاجاتِهم، ويلبُّوا رغباتِهمْ، ولوْ عرضنَا على العقلِ مَلِكَينِ أرادا أنْ يكرما أهلَ بلدٍ، أحَدهمَا جاءَ إلى أهلِ هذا البلدِ بنفسهِ وسمِعَ حاجاتهمْ، وأكرمهمْ في بلادهمْ، ولبَّى طلباتهم، والآخرُ أرسلَ أحدَ وزرائهِ أوْ أرسلَ رسالةً مَعَ أحدِ جنودهِ، بما يريدُ أنْ يكرمهم بهِ، لقطعَ العقلُ بأنَّ الأوَّلَ أكرمُ وأجَلُّ وأعظمُ في الإكرامِ، ومِنَ المعلومِ أنَّ كلَّ كمالٍ في المخلوقِ لا نقصَ فيهِ بوجهٍ مِنَ الوجوهِ فالخالقُ أولى بهِ، وواهبُ الكمالِ أحقُّ بهِ، فالرَّبُّ تعالى، ينزلُ بنفسهِ إلى أدنى سماءٍ وهي السَّماءُ الدُّنيا، وهوَ فوقَ عرشهِ، وهي أقربُ السَّمواتِ إلى قُوَّامِ الليلِ، ويقولُ: «لا أسألُ عنْ عبادي أحدًا غيري»، فهلْ هذا إلَّا عينُ الكمالِ، مع أنَّهُ تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11].

فمَا أجهلَ الإنسانَ بربِّهِ، وبكرمهِ، وبعظمِ فضلهِ، فللهِ الحمدُ كمَا ينبغي لجلالِ وجههِ وعظيمِ سلطانهِ.

وبهذا يعلم أنَّ قولَهُ: بلْ كانَ يمكنهُ أنْ ينادينا وهو على عرشهِ، سوءُ أدبٍ مَعَ الله تعالى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015