اعلمْ رحمكَ الله بأنَّ أصحابَ الحديثِ المتمسِّكينَ بالكتابِ والسنَّةِ - حفظَ الله أحياءهم ورحمَ أمواتهم - يؤمنونَ بنزولِ الله سبحانه وتعالى إلى السَّماءِ الدنيا، ولا يعتقدونَ تشبيهًا لنزولهِ بنزولِ خلقهِ، ولا يحرِّفونَ الكلامَ عنْ مواضعهِ تحريفَ المعتزلةِ والجهميَّةِ أهلكهمُ الله، ولا يكيِّفونهُ بكيفٍ أو يشبِّهونهُ بنزولِ المخلوقينَ تشبيهَ المشبِّهَةِ خذلهمُ الله، وقدْ أعاذَ اللهُ سبحانه وتعالى أهلَ السُّنةِ مِنَ التحريفِ والتكييفِ والتَّشبيهِ، ومنَّ عليهم بالتَّعريفِ والتَّفهيمِ حتَّى سلكوا سبلَ التَّوحيدِ والتَّنزيهِ، وتركوا القولَ بالتَّعطيل والتَّشبيهِ، واتَّبعوا قولَ الله عزَّ وجلَّ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] (?).
وكذلكَ يقولونَ في جميعِ الصِّفاتِ التي نزلَ بذكرهَا القرآنُ ووردتْ بها الأخبارُ الصِّحاحُ ... منْ غيرِ تشبيهٍ لشيءٍ منْ ذلكَ بصفاتِ المربوبينَ المخلوقينَ، بلْ ينتهونَ فيهَا إلى ما قالهُ الله تعالى وقالهُ رسوله صلى الله عليه وسلم منْ غيرِ زيادةٍ عليهٍ، ولا إضافةٍ إليه، ولا تكيِيفٍ لهُ، ولا تشبيهٍ، ولا تحريفٍ، ولا تبديلٍ، ولا تغيِيرٍ، ولا إزالةٍ للفظِ الخبرِ عمَّا تعرفهُ العربُ وتضعهُ عليهِ بتأويلٍ مُنْكَرٍ، ويُجْرُونَهُ على الظَّاهرِ (?).
ومنْ تأوَّلَ النزولَ عَلَى غيرِ حقيقتهِ فجعلهُ مجازًا، أو تأوَّلهُ بنزولِ مَلَكٍ مِنَ الملائكةِ، أو نزولِ أمرِ الله ورحمتهِ. فإنْ أرادَ أنَّهُ سبحانهُ إِذَا نزلَ وأتىَ حلَّتْ رحمتهُ وأمرهُ فهذا حقٌّ، وإنْ أرادَ أنَّ النُّزولَ للرَّحمة والأمرِ ليسَ إلَّا فهوَ باطلٌ منْ وجوهٍ: