الوجه السابع

السابعُ:

أنَّ القائلَ بأنَّ معنى (استوى) بمعنى (استولى) شاهدٌ عَلَى الله أنَّه أرادَ بكلامهِ هذا المعنى، وهذهِ شهادةٌ لا علمَ لقائلهَا بمضمونها، بلْ هيَ قولٌ عَلَى الله بلا علمٍ، وقدْ حرَّم الله تعالى الكلامَ بلا علمٍ مطلقًا، وخصَّ القولَ عليهِ بلا علمٍ بالنَّهيِ، وأخبرَ أنَّ الذي يأمرُ بالقولِ بغيرِ علمٍ هو الشيطانُ فقالَ سبحانه وتعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] وقالَ سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ *} [البقرة: 169] وقال سبحانه وتعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ *} [الأعراف: 33]. فلوْ كانَ اللَّفظُ محتمِلًا لها فِي اللُّغةِ وهيهات!! لَمْ يجز أَنْ يشهدَ عَلَى الله أنَّهُ أرادَ هذا المعنى، بخلافِ منْ أخبرَ عَنِ الله تعالى أنَّهُ أرادَ الحقيقةَ والظاهرَ، فإنَّهُ شاهدٌ بما أجرى الله سبحانه عادتَهُ مِنَ خطابِ خلقهِ بحقائقِ لغتهم وظواهرها؛ كَمَا قَالَ سبحانه وتعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم: 4].

فإذا كان الاستواءُ فِي لغةِ العرب معلومًا؛ كانَ هو المرادُ؛ لكونِ الخطابِ بلسانهم، وهو المقتضي لقيامِ الحجَّةِ عليهم فإذا خاطبهم بغيرِ مَا يعرفونَهُ كانَ بمنزلةِ خطابِ العربيِّ بالعجمية.

قالَ ابنُ قدامة رحمه الله: إنَّ المتأوِّلَ يجمعَ بينَ وصفِ الله تعالى بصفةٍ ما وصفَ بها نفسَهُ ولا أضافها إليهِ، وبين نفيِ صفةٍ أضافها الله تعالى إليهِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015