الوجه الأول

فاجتمعَ في كلامِ الله سبحانه وتعالى الأوصافُ الأربعةُ التي توجبُ قبولَ الخبرِ.

وإذا كانَ كذلكَ؛ فإنَّهُ يجبُ أنْ نقبلَ كلامهُ على ما هو عليهِ، وأنْ لا يلحقنا شكٌ في مدلولهِ؛ لأنَّ الله سبحانه وتعالى لم يتكلَّم بهذا الكلامِ لأجلِ إضلالِ الخلقِ، بلْ ليبيِّنَ لهم ويهديهم، وصدرَ كلامُ الله عزَّ وجلَّ عنْ نفسهِ أو عنْ غيرهِ منْ أعلمِ القائلينَ، ولا يمكنُ أنْ يعتريهُ خلافُ الصِّدقِ، ولا يمكنُ أنْ يكونَ كلامًا عييًّا غيرَ فصيحٍ، وكلامُ الله سبحانه وتعالى لو اجتمعتِ الإنسُ والجنُ على أن يأتوا بمثلهِ؛ لما استطاعوا؛ فإذا اجتمعت هذه الأمورُ الأربعةُ في الكلامِ؛ وجبَ على المخاطبِ القبولُ بما دلَّ عليه (?). وأنْ لا يترك ذلكَ إلى قولِ مَنْ يفترونَ على الله الكذبَ ويقولونَ عليهِ ما لا يعلمونَ؛ فإنَّ هذا هو غايةُ الضَّلاَلِ، ومُنتهى الخُذْلاَنِ (?).

ومنْ تأوَّلَ الاستواءَ بالاستيلاءِ «فهذا - عندَ السَّلفِ والأئمَّةِ - باطلٌ لا حقيقةَ لهُ؛ بلْ هوَ منْ بابِ تحريفِ الكلمِ عنْ مواضعهِ، والإلحادِ في أسماءِ الله وآياتهِ» (?). وهذا يتبيَّنُ منْ وجوهٍ:

أحدُها:

أنَّ الاستواءَ فِي اللُّغةِ يُستعملُ على وجوهٍ:

الأولُ: أنْ يكونَ مطلقًا غيرَ مقيَّدٍ فيكونُ معناهُ الكمالُ كقولهِ عزَّ وجلَّ: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى} [القصص: 14]، وهذا معناهُ: كملَ وتمَّ. يقالُ: استوى النباتُ واستوى الطَّعامُ.

الثاني: أنْ يكونَ مقرونًا بـ (الواو) فيكونُ بمعنى التساوي كقولهم: استوى الماءُ والخشبةُ. واستوى الليلُ والنَّهارُ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015