بلْ لمَّا كانَ صلى الله عليه وسلم كاملَ العلمِ برَبِّهِ وبدينهِ فهوَ أعلمُ الخلقِ وأخْشاهم لربِّهِ وكانَ بالمؤمنينَ رحيمًا أرْحمُ بهمْ منْ آبائهم وأمَّهاتهم وأنفسهم وأبلغُ الخلقِ وأقْدرهم على التعبيرِ عَنِ المعاني النافعةِ، علَّمهم صلى الله عليه وسلم ما لمْ يكونوا يعلمونَ، وقدْ بيَّن للنَّاس جميعَ ما يحتاجونَ إليهِ، خصوصًا الأمورَ المهمَّةَ والعقائدَ الدينيَّةَ والأصولَ الإيمانيَّةَ؛ فلو كانَ الحقُّ فيما يقولهُ النُّفاةُ والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لمْ يصرِّحْ بشيءٍ منهُ؛ بلْ صرَّحَ بضدِّهِ وجعلَ الأمْرَ موكولًا لعقولِ النَّاس وآرائهمْ الضعيفةِ لزمَ انْتفاءُ هذهِ الأمورِ الثلاثةِ كلِّهَا، وهذا لا يفوهُ بهِ مسْلمٌ يؤمنُ بالله ورسولهِ صلى الله عليه وسلم» (?).
وفي ذلكَ بلاغٌ لمنْ تدبَّر، وكفايةٌ لمنِ استبصرَ إنْ شاءَ الله تعالى.
ومنْ تدبَّرَ ما كتبناهُ، وأعطى منْ قلبهِ النَّصَفَةَ، وأعرضَ عنْ هواه، واستمعَ وأصغى بقلبٍ حاضرٍ، وكانَ مسترشدًا مهتدياَ، ولمْ يكنْ متعنِّتًا، وأمدَّهُ اللهُ بنورِ اليقينِ، عرفَ صحَّةَ جميعِ ما قلناهُ، ولمْ يخف عليهِ شيءٌ منْ ذلكَ، واللهُ الموفِّقُ: {مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الأنعام: 39] (?).
* * *
اعلمْ رحمكَ الله تعالى بأنَّهُ يجبُ قبولُ ما دلَّ عليهِ الخبرُ، إذا اجتمعت فيهِ أوصافٌ أربعةٌ:
الأوَّلُ: أنْ يكونَ صادرًا عنْ عِلمٍ.
الثاني: الصِّدْقُ.
الثالثُ: البَيَانُ والفَصَاحَةُ.
الرابعُ: سلامَةُ القَصْدِ والإرادَةِ؛ بأنْ يريدَ المخبرُ هدايةَ منْ أخبرهم.