وإنْ كانَ عالمًا أنَّ الحقَّ فِيهَا فلا يخلو إمَّا أنْ يكونَ قادرًا عَلَى التعبيرِ بعباراتهم - التي هي تنزيهٌ للهِ بزعمهم عَنِ التَّشبيهِ والتَّمثيلِ والتَّجسيمِ، وأنَّه لا يعرفُ الله منْ لم ينزِّههُ بها - أو لا يكونُ قادرًا عَلَى تلكَ العباراتِ.
فإنْ لمْ يكنْ قادرًا على التعبيرِ بذلكَ، لزمَ القدحُ فِي فصاحتهِ، وكانَ ورثةُ المعتزلةِ والجهميَّةِ، أفصحَ منهُ، وأحسنَ بيانًا وتعبيرًا عَنِ الحقِّ.
وإنْ كانَ قادرًا عَلَى ذلكَ، ولمْ يتكلَّمْ بهِ، وتكلَّم دائمًا بخلافهِ وما يناقضهُ، كانَ ذلكَ قدحًا فِي نصحهِ.
وقدْ وصفَ اللهُ رسلَهُ بكمالِ النُّصحِ والبيانِ، فقال سبحانه وتعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم: 4]، وقال سبحانه وتعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] وأخبرَ عنْ رسلهِ عليهم السلام بأنَّهم أنصحُ النَّاسِ لأممهم قالَ عزَّ وجلَّ: {ياقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ} [الأعراف: 93] وقالَ سبحانه وتعالى: {وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 62] وقال عزَّ وجلَّ: {وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ} [الأعراف: 68].
فمع النُّصحِ والبيانِ والمعرفةِ التَّامةِ، كيفَ يكونُ مذهبُ النُّفاةِ المعطِّلةِ أصحابُ التَّحريفِ هوَ الصَّوابُ وقولُ أهلِ الإثباتِ أتباعِ القرآنِ والسنَّةِ باطلًا؟! (?).
قالَ ابنُ القيِّم رحمه الله:
فَسَلِ المُعَطِّلَ عَنْ ثَلاثِ مَسَائِلَ ... تَقْضِي عَلَى التَعْطيلِ بالبُطْلاَنِ
مَاذَا تقُولُ أَكَانَ يَعْرِفُ رَبَّهُ ... هَذَا الرَّسُولُ حَقِيقَةَ العُرْفَانِ
أَمْ لاَ وَهَلْ كَانَتْ نَصيحَتُهُ لَنَا ... كُلَّ النَّصِيحَةِ لَيْسَ بالخَوَّانِ