وَالرَّبُّ لَيْسَ مُعَطَّلًا عَنْ فِعْلِهِ ... بَلْ كُل يَوْمٍ رَبُّنَا فِي شَانِ (?)
الوجهُ الثالثُ:
«لفظُ التغيُّرِ لفظٌ مجملٌ. فالتغيُّر في اللغةِ المعروفةِ لا يرادُ بهِ مجرَّد كون المحلِّ قامتْ بهِ الحوادثُ» (?)؛ بلْ إنَّ لفظَ التغيُّرِ في كلامِ النَّاس المعروفِ: يتضمَّنُ استحالةَ الشيءِ.
والنَّاسُ إنَّما يقولونَ تغيَّر: لمنِ استحالَ منْ صفةٍ إلى صفةٍ.
فالإنسانُ مثلًا: إذا مرضَ، وتغيَّرَ في مرضهِ؛ كأن اصفرَّ لونهُ أو شحبَ، أو نحلَ جسمهُ: يقالُ: غيَّرهُ المرضُ.
وكذا إذا تغيَّر جسمهُ بجوعٍ أو تعبٍ، قيلَ قد تغير.
وكذا إذا غيَّرَ لونَ شعرِ رأسهِ ولحيته؛ قيلَ قد غير ذلكَ.
وكذا إذا تغيَّر خلقهُ ودينهُ؛ مثل أنْ يكونَ فاجرًا فيتوبُ، ويصيرُ برًّا. أو يكون برًا، فينقلبُ فاجرًا. فهذا يقالُ عنهُ: إنَّهُ قد تغيَّر.
ومنْ هذا البابِ، قولُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم لما أُتيَ بأبي قحافةَ، ورأسهُ ولحيتهُ كالثَّغامة: «غيِّروا هذا بشيءٍ، واجْتَنِبُوا السَّوادَ» (?).
وكذا الشمسُ إذا اصفرَّت، قيلَ: تغيَّرت. ويقالُ: وقتُ العصرِ ما لم يتغيَّر لونُ الشمسِ.
والأطعمةُ إذا استحالَ لونها أو ريحهَا؛ يقالُ: تغيَّرت أيضًا.
يقولُ الله سبحانه وتعالى عَنِ الجنَّةِ ونعيمهَا: {فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ} [محمد: 15].
فاللبنُ يتغيَّر طعمهُ منَ الحلاوةِ إلى الحموضةِ، ونحو ذلكَ.
والماءُ الكثيرُ إذا وقعت النجاسةُ فيهِ لم ينجس، إلَّا أنْ يتغيَّر طعمهُ أو لونهُ أو ريحهُ، وقولهم: إذا نجسَ الماءُ بالتغيُّر زالَ بزوالِ التغير.