الشُّبْهَةُ السَّابِعَةُ
يستدلُّ المشتغلونَ بعلمِ الكلامِ بقولِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا قَامَ أَحَدُكمْ إِلَى الصَّلاَةِ، فَإِنَّ اللهَ قِبَلَ وَجْهِهِ، فَلاَ يَبْصُق قِبَلَ وَجْهِهِ» (?)، على نفي العلوِّ.
قَالَ ابنُ عبدِ البرِّ رحمه الله تعليقًا عَلَى هذا الحديث: وقد نزعَ بهذا الحديثِ بعضُ مَنْ ذهبَ مذهبَ المعتزلةِ فِي أنَّ الله عزَّ وجلَّ فِي كلِّ مكانٍ، وليس عَلَى العرشِ، وهذا جدلٌ منْ قائلهِ (?).
وقالَ شيخُ الاسلامِ رحمه الله: الحديثُ حقٌّ على ظاهرهِ، وهوَ سبحانهُ فَوْقَ العَرْشِ وهوَ قِبَلَ وجهِ المصلِّي، بل هذا الوصفُ يثبتُ للمخلوقاتِ.
فإنَّ الإنسانَ لو أنَّهُ يناجي السَّماءَ أو يناجي الشَّمسَ والقمرَ لكانت السَّماءُ والشمسُ والقمرُ فوقهُ، وكانتْ أيضًا قبلَ وجههِ؛ مَعَ أنَّ الشمسَ قدْ تشرقُ وقدْ تغربُ، فتنحرفُ عنْ سمتِ الرأسِ، فكيفَ بمنْ هوَ فوق كلِّ شيءٍ دائمًا لا يأفلُ ولا يغيبُ سبحانه وتعالى!!
وقد ضربَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم المثلَ بذلكَ - ولله المثلُ الأعلى - ولكن المقصودَ بالتمثيلِ بيانُ جوازِ هذا وإمكانهُ، لا تشبيهَ الخالقِ بالمخلوقِ - فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «ما مِنْكُم من أحدٍ إلا سيرى رَبَّهُ مَخْلِيًّا به» فقال له أبو رزين العقيلي: كيفَ يا رسول الله وهو واحدٌ ونحنُ جميع؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «سأنبِّئُكَ بمثل ذلك في آلاء الله، هذا القمرُ كُلُّكُم يراه مَخْلِيًّا به، وهو آيةٌ من آياتِ الله، فاللهُ أكبرُ» (?). وقال: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ» (?).