فكيفَ يجوزُ بعدَ هذا أنْ يقالَ: إذا كانَ الرحمنُ فوقَ العرشِ أنْ يكونَ مماثلًا لخلقهِ؟! والله تعالى ليسَ كمثلهِ شيءٌ في ذاتهِ ولا في صفاتهِ ولا في أفعالهِ. حتَّى لَوْ قدِّرَ لزومُ ذَلِكَ كلِّهِ لكانَ التزامهُ أسهلَ مِنْ تعطيلِ علوِّهِ عَلَى عرشهِ، وجعلهِ بمنزلةِ المعدومِ الممتنعِ، الَّذي لاَ هوَ داخلَ العالمِ وَلاَ خارجهُ (?).

عطَّلْتُمُ السَّبع السموات العلا ... والعَرْشَ أخْليتُم منَ الرحمن (?)

قالَ ابنُ القيِّم رحمه الله:

قَدْ عَطَّلَ الرَّحْمَنُ أفْئِدَةً لَهُمْ ... مِنْ كُلِّ مَعْرِفَةٍ وَمِنْ إيمَانِ

إذْ عَطَّلُوا الرَّحْمَنَ مِنْ أوصَافِهِ ... وَالعَرْشَ أخْلَوْهُ مِنَ الرَّحْمنِ (?)

أيُّها المشتغلونَ بعلمِ الكلامِ: إنَّ نفيَكم لعلوِّ الله تعالى على العرشِ بدعوى التَّجسيمِ، خطأٌ فِي اللَّفظِ والمعنى، وجنايةٌ عَلَى ألفاظِ الوحي.

أمَّا اللَّفظيُّ: فتسميتكم علوَّ اللهِ على العرشِ تجسيمًا وتشبيهًا وتحيُّزًا. وتواصيتم بهذا المكرِ الكبَّارِ إلى نفيِ ما دلَّ عليهِ الوحيُ، والعقلُ، والفطرةُ؛ فكذبتم عَلَى القرآنِ، وعلى الرسولِ صلى الله عليه وسلم، وعلى اللُّغةِ، ووضعتم لصفاتِهِ ألفاظًا منكمْ بدأتْ وإليكمْ تعودُ.

وأمَّا خطأكمْ فِي المعنى: فنفيُكم، وتعطيلكم لعلوِّ الرحمنِ بواسطةِ هذهِ التسميةِ والألقابِ، فنفيتم المعنى الحقَّ وسمَّيتموهُ بالاسمِ المنكرِ، وكنتم فِي ذلكَ بمنزلةِ منْ سمعَ أنَّ فِي العسلِ شفاءً ولمْ يرهُ، فسأل عنهُ فقيلَ لهُ: مائعٌ رقيقٌ أصفرٌ يشبهُ العذرةَ تتقيَّأهُ الزنابيرُ، ومنْ لمْ يعرفِ العسلَ ينفرُ عنهُ بهذا التَّعريفِ، ومَنْ عرفهُ وذاقهُ لم يزدهُ هذا التَّعريفُ عندهُ إلَّا محبَّةً لهُ، ورغبةً فيهِ، وما أحسنَ مَا قَالَ القائلُ:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015