والجوابُ عَنِ الشُّبهة المذكورةِ منْ وجهين:
أحدُها:
أنْ يقالَ: القائلونَ بأنَّ العالمَ كرةٌ يقولونَ: إنَّ السَّماءَ عاليةٌ على الأرضِ منْ جميعِ الجهاتِ، والأرضُ تحتها منْ جميعِ الجهاتِ، والجهاتُ قسمان: حقيقيَّةٌ ولها جهتان: العلوُّ والسُّفلُ فقط، فالأفلاكُ وما فوقهَا هو العالي مطلقًا، وما في جوفهَا هوَ السَّافلُ مطلقًا، وإضافية: وهي الجهاتُ الست بالنِّسبةِ للحيوانِ، فما أمامهُ يقالُ لهُ أمامٌ، وما خلفهُ يقالُ له خلفٌ، وما عنْ يمينهِ يقالُ لهُ اليمينُ، وما عنْ يسارهِ يقالُ لهُ اليسارُ، وما فوقَ رأسهِ يقالُ لهُ فوقُ، وما تحتَ قدميهِ يقالُ لهُ تحتُ.
أرأيتَ لوْ أنَّ رجلًا علَّقَ رجليهِ إلى السَّماءِ ورأسهُ إلى الأرضِ أليستِ السماءُ فوقَهُ وإنْ قابلهَا برجليهِ؟! (?).
وإذا كانَ كذلكَ، فالملائكةُ الذينَ في السَّماءِ، هم باعتبارِ الحقيقةِ كلُّهم فوقَ الأرضِ، وليسَ بعضهمْ تحتَ شيءٍ مِنَ الأرضِ، وكذلكَ السَّحابُ وطيرُ الهواءِ، هوَ منْ جميعِ الجوانبِ فوقَ الأرضِ وتحتَ السَّماءِ، ليسَ شيءٌ منهُ تحتَ الأرضِ. وكذلكَ ما على ظهرِ الأرضِ مِنَ الجبالِ والنَّباتِ والحيوانِ والأناسيِّ وغيرهم، همْ منْ جميعِ جوانبِ الأرضِ فوقَها، وهمْ تحتَ السَّماءِ، وليسَ أهلُ هذهِ النَّاحيةِ تحتَ أهلِ هذهِ الناحيَّةِ، ولا أحدٌ منهم تحتَ الأرضِ ولا فوقَ السَّماءِ البتةَ.
وإذا كانتْ هذهِ المخلوقاتُ لا يلزمُ منْ علوِّها على ما تحتَها أنْ تكونَ تحتَ ما في الجانبِ الآخرِ مِنَ العالمِ، فالعليُّ الأعلى سبحانه أولى أنْ لا يلزم منْ علوِّه على العالمِ أنْ يكونَ تحتَ شيءٍ منهُ.