اعلمْ رحمكَ اللهُ بأنَّ النُّصوصَ الدَّالَّةَ على علوِّ الله على العرشِ: لا تخفى على ذي عيانٍ؛ بل أجلى منْ ضياءِ الشمسِ في البيانِ، لكنْ لمن له فهمٌ ثاقبٌ، وعقلٌ كاملٌ، وبصرٌ ناقدٌ.
وهذه النُّصوصُ الدَّالَّةُ على علوِّ الله على العرش «لمْ يعارضْهَا قطُّ صريحٌ معقولٌ، فضلًا عنْ أنْ يكونَ مقدَّمًا عليهَا، وإنَّما الذي يعارضُهَا «جهليَّاتٌ»، و «ضلالاتٌ»، و «خيالاتٌ»، و «شبهاتٌ مكذوباتٌ»، و «أوهامٌ فاسدةٌ»، وأنَّ تلك الأسماء ليستْ مطابقةً لمسمَّاها، بلْ هي منْ جنسِ تسميةِ الأوثانِ «آلهةً» و «أربابًا»، وتسميةِ «مسيلمةَ الكذَّاب» وأمثاله «أنبياء»: {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى *} [النجم: 23]» (?)، مبناهَا عَلَى معانٍ متشابهةٍ وألفاظٍ مجملةٍ، فمتى وقعَ الاستفسارُ والبيانُ ظهرَ أنَّ ما عارضهَا شبهٌ سوفسطائيةٌ (?)، لا براهين عقلية.
قالَ ابنُ القيِّم رحمه الله:
فَأَدِلَّةُ الإِثْبَاتِ حَقًّا لاَ يَقْو ... مُ لَهَا الجِبَالُ وَسَائِرُ الأكْوَانِ
تَنْزِيلُ رَبِّ العَالَمِينَ وَوَحْيُهُ ... مَعْ فِطْرَةِ الرَّحمنِ وَالبُرْهَانِ
أنَّى يُعَارضُها كِنَاسَةُ هَذِهِ الـ ... أذْهَانِ بِالشُّبُهَاتِ وَالهَذَيَانِ
وَجَعَاجِعٌ وَفَرَاقِعٌ مَا تَحْتَهَا ... إلَّا السَّرابُ لوَارِدٍ ظَمْآنِ (?)