مِنَ المعلومِ أنَّ الله تعالى أَكْمَلَ الدِّينَ، وأتمَّ النِّعمةَ؛ وأنزلَ الكتابَ تبيانًا لكلِّ شيءٍ؛ وأنَّ معرفةَ مَا يستحقُّهُ الله وما ينزَّهُ عنهُ هوَ منْ أجلِّ أمورِ الدِّينِ، وأعظمِ أصولهِ؛ وأفْضلِ وأوجبِ ما اكْتسبتهُ النُّفوسُ، وأجلُّ ما حصَّلتْهُ القلوبُ، وأدْركتْهُ العقولُ، وأنَّ بيانَ هَذَا وتفصيلَهُ أولى منْ كلِّ شيءٍ. فكيفَ يجوزُ أنْ يكونَ هَذَا البابُ لم يبيِّنهُ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم ولمْ يفصِّلهُ ولم يعلِّمْ أمَّتهُ مَا يقولونَ فِي هَذَا البابِ؟! وكيفَ يكونُ الدِّينُ قد كَمُلَ وقدْ تركوا عَلَى الطريقةِ البيضاءِ، وهمْ لا يدرونَ بماذا يعرفونَ ربَّهم: أبما تقولهُ النُّفاةُ، أو بأقوالِ أهلِ الإثباتِ؟!
مِنَ المحال أنْ يكونَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم قد علمَ أمَّتهُ كلَّ شيءٍ حتَّى الخِراءَةَ، وقالَ: «لَقَدْ تَرَكْتُكُم على مِثْلِ البَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لا يزيغُ عنها إلا هَالِكٌ» (?).
وقالَ فيمَا صحَّ عنهُ أيضًا: «ما بَعَثَ اللهُ من نَبِيٍّ إلَّا كانَ حَقًّا عليهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ على خَيْرِ ما يَعْلَمُه لَهُمْ وَيَنْهَاهُم عن شَرِّ ما يَعْلَمُهُ لَهُمْ» (?).
وقال أبو ذر رضي الله عنه: «تَرَكَنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طَائِرٌ يقلِّبُ جَنَاحَيْهِ في الهواء إلاّ وهو يذكرنَا منه عِلْمًا» (?).